ثانية. يُحَقِّقه أنَّه إذا أُخِذَ أرْشُ البَكارةِ مَرَّةً، لم يَجُزْ أخْذُه (١٩) مَرَّة أُخْرَى، فتَصِيرُ كأنَّها مَعْدُومةٌ، فلا يجبُ لها إلَّا مَهْرُ ثَيِّبٍ، ومَهْرُ الثَّيِّبِ مع أرْشِ البَكارةِ هو مَهْرُ مِثْلِ البِكْرِ، فلا تجوزُ الزِّيادةُ عليه. واللَّهُ أعلمُ.
فصل: ولا فَرْقَ بين كَوْنِ المَوْطُوءةِ أجْنَبِيَّةً أو مِن ذَواتِ مَحارِمِه. وهو اختيارُ أبى بكرٍ. ومذهبُ النَّخَعِىِّ، ومَكْحُولٍ، وأبى حنيفةَ، والشافعىِّ. وعن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، أَنَّ ذَواتَ مَحارِمِه من النِّساءِ لا مَهْرَ لَهُنَّ. وهو قولُ الشَّعْبىِّ؛ لأنَّ تَحْرِيمَهُنَّ تَحْريمُ أصْلٍ، فلا يُسْتَحَقُّ به مَهْرٌ. كاللِّوَاطِ، وفارَقَ مَن حُرِّمَتْ تَحْرِيمَ المُصاهرةِ، فإنَّ تَحْرِيمَها طارئٌ. وكذلك يَنْبَغِى أن يكونَ الحُكْمُ فى مَن حُرِّمَتْ بالرَّضاعِ؛ لأنَّه طارِئٌ أيضًا. وعن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، أَنَّ مَنْ تَحْرُمُ ابْنَتُها لا مَهْرَ لها، كالأُمِّ والبِنْتِ والأُخْتِ، ومن تَحِلُّ ابْنَتُها، كالعَمَّةِ والخالةِ، فلها المَهْرُ؛ لأنَّ تَحْرِيمَها أخَفُّ. ولَنا، أَنَّ ما ضُمِنَ للأجْنَبِىِّ، ضُمِنَ للمُناسبِ، كالمالِ ومَهْرِ الأَمَةِ، ولأنَّه أتْلَفَ مَنْفَعةَ بُضْعِها بالوَطْءِ، فلَزِمَه مَهْرُها، كالأجْنَبِيَّةِ، ولأنَّه مَحَلٌّ مَضْمُونٌ على غيرِه، فوَجَبَ عليه ضَمانُه، كالمالِ، وبهذا فارَقَ اللِّواطَ؛ فإنَّه ليس بمَضْمُونٍ على أحدٍ.
فصل: ولا يجِبُ المَهْرُ بالوَطْءِ فى الدُّبُرِ، ولا اللِّواطِ؛ لأنَّ الشَّرْعَ لم يَرِدْ بِبَدَلِه، ولا هو إتْلافٌ لشىءٍ، فأشْبَهَ القُبْلةَ والوَطْءَ دُونَ الفَرْجِ، ولا يجبُ للمُطاوِعةِ على الزِّنَى، لأنَّها بَاذِلةٌ لما يجبُ بَذْلُه لها، فلم يَجِبْ لها شىءٌ، كما لو أَذِنَتْ له فى قَطْعِ يدِها فقَطَعَها، إلَّا أن تكونَ أمَةً، فيكونُ المهرُ لسَيِّدِها، ولا يَسْقُطُ ببَذْلِها؛ لأنَّ الحَقَّ لغيرِها، فأشْبَهَ ما لو بَذَلَتْ قَطْعَ يدِها.
فصل: ولو طَلَّقَ امرأتَه قبلَ الدُّخولِ طَلْقةً، وظَنَّ أنَّها لا تَبِينُ بها، فوَطِئَها، لَزِمَه مَهْرُ المِثْلِ، ونِصْفُ المُسَمَّى. وقال مالكٌ: لا يَلْزَمُه إلَّا مهرٌ واحدٌ. ولَنا، أَنَّ المَفْروضَ يتَنَصّفُ بطَلاقِه، بقولِه سبحانه:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}. ووَطْؤُه بعدَ