للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ قِيمَتَهُ أكْثَرُ من قِيمَةِ لَحْمِهِ. وقال أبو الخَطَّابِ: يَضْمَنُها بماخِضٍ مِثْلِها؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}. وإيجابُ القِيمَةِ عُدُولٌ عن المِثْلِ مع إمْكَانِه، فإن فَدَاها بغيرِ ماخِضٍ، احْتَمَلَ الجَوَازَ؛ لأنَّ هذه الصِّفَةَ لا تَزِيدُ فى لَحْمِها، بل رُبَّما نَقَصَتْها، فلا يُشْتَرَطُ وُجُودُها فى المِثْلِ، كاللَّوْنِ والعَيْبِ. وإن جَنَى على ماخِضٍ، فأتْلَفَ جَنِينَها، وخَرَجَ مَيِّتًا، ففيه ما نَقَصَتْ أُمُّهُ، كما لو جَرَحَها، وإن خَرَجَ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِه ثم مَاتَ، ضَمِنَهُ بمِثْلِه، وإن كان لِوَقْتٍ لا يَعِيشُ لمِثْلِه، فهو كَالمَيِّتِ، كجَنِينِ الآدَمِيَّةِ.

فصل: وإن أتْلَفَ جُزْءًا من الصَّيْدِ، وَجَبَ ضَمَانُه؛ لأنَّ جُمْلَتَهُ مَضْمُونَةٌ، فكان بَعْضُه مَضْمُونًا كالآدَمِىِّ، والأمْوَالِ، ولأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: "لا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا" (٥٧). فالجَرْحُ أوْلَى بِالنَّهْىِ، والنَّهْىُ يَقْتَضِى تَحْرِيمَهُ. وما كان مُحَرَّمًا من الصَّيْدِ وَجَبَ ضَمَانُه كنَفْسِه، ويُضْمَنُ بمِثْلِه من مِثْلِه، فى أحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّ ما وَجَبَ ضَمانُ جُمْلَتِه بِالمِثْلِ، وَجَبَ فى بَعْضِه مثلُه، كالمَكِيلاتِ. والآخَرُ يَجِبُ قِيمَةُ مِقْدَارِه من مِثْلِه؛ لأنَّ الجَزَاءَ يَشُقُّ إخْرَاجُه، فيمْتَنِعُ (٥٨) إيجَابُهُ، ولهذا (٥٩) عَدَلَ الشَّارِعُ عن إيجَابِ جُزْءٍ من بَعِيرٍ فى خَمسٍ من الإِبِلِ إلى (٦٠) إيجَابِ شَاةٍ من غَيْرِ جِنْسِ الإِبِلِ. والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأنَّ المَشَقَّةَ هاهُنا غيرُ ثَابِتَةٍ؛ لِوُجُودِ الخِيَرَةِ له فى العُدُولِ عن المِثْلِ إلى عَدْلِه من الطَّعَامِ أو الصِّيَامِ، فيَنْتَفِى المَانِعُ، فيَثْبُتُ مُقْتَضَى الأصْلِ. وهذا إذا انْدَمَلَ الصَّيْدُ مُمْتَنِعًا، فإن انْدَمَلَ غيرَ مُمْتَنِعٍ، ضَمِنَهُ جَمِيعَه؛ لأنَّه عَطَّلَهُ، فصَارَ كالتَّالِفِ، ولأنَّه مُفْضٍ إلى تَلَفِه، فصارَ كالجارِحِ له جُرْحًا يُتَيَقَّنُ به مَوْتُه. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ. ويَتَخَرَّجُ أن


(٥٧) تقدم تخريجه فى صفحة ١٧٩.
(٥٨) فى أ، ب، م: "فيمنع".
(٥٩) فى الأصل: "وإذا".
(٦٠) سقط من: أ، ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>