للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإنِ اشْتَرَى اثنانِ عَبْدًا، فغابَ أحَدُهما، وجاءَ الآخَرُ يَطْلُبُ نَصِيبَه منه، فلَهُ ذلك. وقال أبو حنيفةَ: ليس له ذلك؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه تَسْلِيمُه إلَّا بتَسْلِيمِ نَصِيبِ الغائِبِ، وليس له تَسْلِيمُه بغيرِ إذْنِه. ولَنا، أنَّه طَلَبَ حِصَّتَه، فكان له ذلك، كما لو أوْجَبَ لكُلِّ واحدٍ مِنهما مُنْفَرِدًا. وما ذَكَرُوه يَبْطُلُ بهذه الصُّورَةِ. وإنْ قال الحاضِرُ: أنا أدْفَعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وتَدْفَعُ إلىَّ جَمِيعَ العَبْدِ. لم يَكُنْ له ذلك. وقال أبو حنيفةَ: له ذلك. ولَنا، أنَّ شَرِيكَه لم يَأْذَنْ للحَاضِرِ فى قَبْضِ نَصِيبِه، ولا للبَائِعِ فى دَفْعِه إليه، فلم يَكُنْ لهما ذلك، كما لو كانا حاضِرَيْنِ. فإنْ سُلِّمَ إليه، فتَلِفَ العَبْدُ، فللغائِبِ تَضْمِينُ أيِّهما شاءَ؛ لأنَّ الدَّافِعَ فَرَّطَ بدَفْعِ مالِه بغيرِ إذْنِه، والشَّرِيكَ قَبَضَ مالَ غيرِه بغيرِ إذْنِه. فإنْ ضَمِنَ الشَّرِيكُ، لم يَرْجِعْ على أحَدٍ؛ لأنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فى يَدِه، فاسْتَقَرَّ الضَّمانُ عليه. وإنْ ضَمِنَ الدّافِعُ، رَجَعَ على القابِضِ لذلك. ويَقْوَى عِنْدِى أنَّه إذا لم يُمْكِنْ تَسْلِيمُ نَصِيبِ أحَدِ المُشْتَرِيَيْنِ إليه إلَّا بتَسْلِيمِ نَصِيبِ صاحِبِه، أنّه لا يجوزُ التَّسْلِيمُ إليه؛ لما ذَكَرْنا هاهُنا.

فصل: ويُسْتَحَبُّ الإِشهادُ فى البَيْعِ؛ لقَوْلِ اللهِ تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (٨٦). وأقَلُّ أحوالِ الأمرِ الاسْتِحْبابُ. ولأنَّه أقْطَعُ للنِّزاعِ، وأبْعَدُ مِنَ التَّجاحُدِ، فكان أوْلَى، ويَخْتَصُّ ذلك بما له خَطَرٌ، فأمَّا الأشياءُ القَلِيلَةُ الخَطَرِ، كحَوائِجِ البَقّالِ، والعَطّارِ، وشِبْهِهما، فلا يُسْتَحَبُّ ذلك فيها؛ لأن العُقُودَ فيها (٨٧) تَكْثُرُ، فيَشُقُّ الإشهادُ عليها، وتَقْبُحُ إقامَةُ البَيِّنَةِ عليها، والتَّرافُعُ إلى الحاكِمِ من أجْلِها، بخِلافِ الكَثِيرِ. وليس الإِشهادُ بواجِبٍ فى واحَدٍ مِنهما، ولا شَرْطًا له. رُوِىَ ذلك عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وهو قولُ الشّافِعيِّ، وأصحابِ الرَّأْىِ، وإسحاقَ، وأبي أيُّوبَ. وقالت طَائِفَةٌ: ذلك فَرْضٌ لا يجوزُ تَرْكُه. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ عَبّاسٍ. ومِمَّن رأى الإِشهادَ على البَيْعِ عَطَاءٌ، وجابِرُ بن زَيْدٍ، والنَّخَعِىُّ؛


(٨٦) سورة البقرة ٢٨٢.
(٨٧) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>