للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لظاهِرِ الأمْرِ، ولأنه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، فيَجِبُ الإِشهادُ عليه كالنِّكاحِ. ولنا، قولُ اللهِ تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (٨٨). وقال أبو سَعِيدٍ: صارَ الأمْرُ إلى الأمانَةِ. وتَلَا هذه الآيةَ، ولأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا، ورَهَنَهُ دِرْعَهُ (٨٩)، واشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سَرَاوِيلَ (٩٠)، ومِنْ أعْرَابِيٍّ فَرَسًا، فجَحَدَهُ الأَعْرَابِيُّ حَتَّى شَهِدَ له خُزَيْمَةُ بن ثابِتٍ (٩١)، ولم يُنْقَلْ أنَّه أشْهَدَ فى شىءٍ من ذلك. وكان الصَّحابَةُ يَتَبايَعُونَ فى عَصْرِهِ فى الأسْواقِ، فلم يَأْمُرْهُم بالإِشْهادِ، ولا نُقِلَ عَنْهم فِعْلُه، ولم يُنْكِرْ عليهم النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولو كانوا (٩٢) يُشْهِدُونَ فى كلِّ بياعاتِهِم لَمَا أُخِلَّ بِنَقْلِه. وقد أمَرَ النبىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُرْوَةَ بنَ الجَعْدِ أنْ يَشْتَرِىَ لَهُ أُضْحِيَّةً (٩٣). ولم يَأْمُرْهُ بالإِشْهادِ، وأخْبَرَه عُرْوَةُ أنَّه اشْتَرَى شَاتَيْنِ فبَاعَ إحْدَاهُما، ولم يُنْكِرْ عليه تَرْكَ الإِشْهَادِ. ولأنَّ المُبايَعَةَ تَكْثُرُ بين الناس فى أسْواقِهم وغيرِها، فلو وَجَبَ الإِشْهَادُ فى كلِّ ما يَتَبَايَعُونَه، أفْضَى إلى الحَرَجِ المَحْطُوطِ عَنَّا بقولِه


(٨٨) سورة البقرة ٢٨٣.
(٨٩) انظر التخريج فى صفحة ٣٧٥ المتقدمة، حاشيتى ٥٦، ٥٧.
(٩٠) أخرجه أبو داود، والترمذى، والنسائى، والدارمى، فى: باب الرجحان فى الوزن، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٢٠، عارضة الأحوذى ٦/ ٣٩، المجتبى ٧/ ٢٥٠، سنن الدارمى ٢/ ٢٦٠. كما أخرجه ابن ماجه، فى الباب نفسه، من كتاب التجارات، وفى: باب لبس السراويل، من كتاب اللباس. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٤٨، ١١٨٥. والإمام أحمد، فى: المسند ٤/ ٣٥٢.
(٩١) أخرجه أبو داود، فى: باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود ٢/ ٧٦، ٢٧٧. والنسائى، فى: باب التسهيل فى ترك الإشهاد على البيع، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٦٥، ٢٦٦. والإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٢١٥، ٢١٦.
(٩٢) فى الأصل، م: "وكانوا".
(٩٣) أخرجه البخارى، فى: باب حدثنا على بن عبد اللَّه. . .، من كتاب المناقب. صحيح البخاري ٤/ ٢٥٢ وأبو داود، فى: باب فى المضارب يخالف، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٢٩ والترمذى، فى: باب حدثنا أبو كريب، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى ٥/ ٢٦٣. وابن ماجه، فى: باب الأمين يتجر فيه فيربح، من كتاب الصدقات. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>