للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك من العبد، ثم القضاءُ على الغائِبِ بالبَيِّنَةِ جائِزٌ، على ما عُرِفَ في مَوْضِعِه.

فصل: وإن أقرَّ العبدُ بِسَرِقَةِ مالٍ في يدِه، فأنكرَ ذلك سَيِّدُه، وقال: هذا مالِى. فالمالُ لسَيِّدِه، ويُقْطَعُ العَبْدُ. وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا قَطْعَ عليه؛ لأنَّه لم تَثْبُتْ سَرِقَتُه لِلمالِ، فلم يجبْ قَطْعُه، كما لو أنكرَه المَسْروقُ منه، ولأنَّه (٩) إذا لم يَقْبَلْ إقرارُه في المالِ، ففى الحَدِّ الذي يَنْدَرِئُ بالشُّبُهَاتِ أوْلَى. ولَنا، أنَّه أَقَرَّ بالسَّرِقَةِ، وصَدَّقَه المَسْروقُ منه، فقُطِعَ، كالْحُرِّ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَجِبَ القَطْعُ؛ لأنَّ الحَدَّ يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، وكونُ المالِ محْكومًا به لسَيِّدِه شُبْهةٌ.

فصل: ويُقْطَعُ المسلمُ بِسَرِقَةِ مالِ المسلمِ والذِّمِّىِّ، ويُقْطَعُ الذِّمِّىُّ بِسَرِقَةِ مالِهِما. وبه قال الشَّافِعِىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ، ولا نعلمُ فيه مخالِفًا. فأمَّا الحَرْبِىُّ إذا دَخَلَ إلينا مُسْتأمنًا، فَسَرَقَ، فإنَّه يُقْطَعُ أيضًا. وقال ابنُ حامِدٍ: لا يُقْطَعُ. وهو قولُ أبى حنيفةَ ومحمدٍ؛ لأنَّه حَدٌّ للَّه تعالى، فلا يُقامُ عليه، كحَدِّ الزِّنَى. وقد نَصَّ أحمدُ على أنَّه لا يُقامُ عليه حَدُّ الزِّنَى. وللشَّافِعِى قَوْلانِ، كالمذْهَبَيْنِ. ولَنا، أنَّه حَدٌّ يُطالَبُ به، فوجَبَ عليه، كحَدِّ القَذْفِ، يُحقِّقُه أنَّ القَطْعَ يجبُ صِيانةً للأمْوالِ، وحدُّ القَذْفِ يجبُ صيانةً للأعْراضِ، فإذا وجبَ في حَقِّه أحدُهما وجبَ الآخرُ، فأمَّا حَدُّ الزِّنَى، فلم يجبْ؛ لأنَّه يجبُ به قتلُه لنقضِه العهدَ، ولا يجبُ مع القتلِ حَدٌّ سِواهُ. إذا ثبتَ هذا، فإنَّ المسلمَ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مالِه. وعندَ أبى حنيفةَ: لا يجبُ. وَلنا، أنَّه سَرَقَ مالًا مَعْصُومًا من حِرْزِ مثلِه، فوجبَ قَطْعُه، كسارقِ مالِ الذِّمِّى. ويُقْطَعُ المُرْتَدُّ إذا سَرَقَ؛ لأنَّ أحكامَ الإِسْلامِ جارِيَةٌ عليه.

١٥٨٤ - مسألة؛ قال: (ويُقْطَعُ السَّارِقُ وَإنْ وُهِبَتْ لَهُ السَّرِقَةُ بَعْدَ إخْرَاجِهَا)

وجملتُه أن السَّارِقَ إذا مَلَكَ العَيْنَ المَسْروقةَ بِهبَةٍ أو بَيْعٍ أو غيرِهما من أسبابِ المِلْكِ،


(٩) سقطت الواو من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>