للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَ ذلك، وإن لم يُمْكِنْ إلَّا ذهابُ بعضِ ذلك، مثل ذهابِ (١٢) البَصَرِ دونَ أن تَبْيَضَّ وتَشْخَصَ، فعليه حُكومةٌ للذى لم يُمْكِن القِصاصُ فيه، كما لو جَرَحَه (١٣) هاشِمةً، فإنَّه يَقْتَصُّ مُوضِحَةً، ويأْخُذُ أرْشَ باقِى جرْحِه. وعلى قولِ أبى بكرٍ، لا يُسْتَحَقُّ مع القِصاصِ أَرْشٌ. وقال القاضي: إذا اقْتَصَّ منه - يعني لَطَمَه مثلَ لَطْمَتِه - فذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنِه، ولم تَبْيَضَّ، ولم تَشْخَصْ، فإن أمْكَنَ مُعَالَجَتُها حتى تَبْيَضَّ وتَشْخَصَ، من غيرِ ذَهابِ الحَدَقةِ، فَعَلَه، وإن تعَذَّرَ ذلك، فلا شىءَ عليه، كما لو انْدَمَلَتَ مُوضِحَةُ المَجْنِىِّ عليه وَحِشَةً قَبِيحةَ، ومُوضِحةُ الجانِى حَسَنةً جميلةً، لم يجب شيءٌ، كذلك ههُنا، وهذا بَنَاهُ على أن اللَّطْمةَ حَصَلَ بها القِصاصُ، كما حَصَلَ بجُرْحِ المُوضِحَةِ، وقد بَيَّنَّا فَسادَ هذا.

فصل: وإن شَجَّهُ شَجّةً دون المُوضِحَةِ، فأذْهَبَ ضَوْءَ عينِه، لم يَقْتَصَّ منه مثلَ شَجَّتِه، بغيرِ خلافٍ نَعْلمُه؛ لأنَّها لا قِصاصَ فيها إذا لم يَذْهَبْ ضَوْءُ العينِ، فكذلك إذا ذَهَبَ، ويُعالجُ ضَوْءُ العَيْنِ بمثل ما ذكَرْنا في (١٤) اللَّطْمةِ. وإن كانت الشَّجَّةُ فوقَ المُوضِحَةِ، فله أن يَقْتَصَّ مُوضِحَةً. وهل له أرْشُ الزِّيادةِ عليها؟ فيه وَجْهان. وإن ذَهَبَ ضَوْءُ العَيْنِ، وإلَّا اسْتَعْمَلَ فيه ما يُزِيلُه من غيرِ أن يَجْنِىَ على الحَدَقةِ. وإن شَجَّه مُوضِحَةً، فله أن يَقْتَصَّ منها. وحُكْمُ القِصاصِ في البَصَرِ على ما ذكرْنا من قبلُ. واخْتَلَف أصحابُ الشافعىِّ في القِصاصِ في البَصَرِ، في هذه المواضعِ كلِّها، فقال بعضُهم: لا قِصاصَ فيه؛ لأنَّه لا يَجِبُ بالسِّرَايةِ، كما لو قَطَعَ إصْبَعَه، فسَرَى القَطْعُ إلى التي تَلِيها، فأذْهَبَها عندهم. وقال بعضُهم: يجبُ القِصاصُ ههُنا، قولًا واحدًا؛ لأنَّ ضَوْءَ العَيْنِ لا تُمْكِنُ مُباشَرَتُه بالجنايةِ، فيَقْتَصُّ منه بالسِّرَايةِ، كالنَّفْسِ، فيَقْتَصُّ من البَصَرِ بما (١٥) ذكرنا فيما قبلَ هذا.


(١٢) في م: "أن يذهب".
(١٣) في م: "جرح".
(١٤) في ب: "من".
(١٥) في م: "كما".

<<  <  ج: ص:  >  >>