للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحُكْمُ لِانْتِفَائِه، فيَصِحُّ رَهْنُ المُشَاعِ لذلك. وبه قال ابنُ أبي لَيْلَى، ومالِكٌ، والبَتِّيُّ (١٦)، والأوْزَاعِيُّ، وسَوَّارٌ (١٧)، والْعَنْبَرِيُّ، والشَّافِعيُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أصْحَابُ الرَّأْيِ: لا يَصِحُّ رَهْنُه، إلَّا أن يَرْهَنَه من شَرِيكِه، أو يَرْهَنَها الشَّرِيكَانِ من رَجُلٍ واحِدٍ، أو يَرْهَنَ رَجُلًا دَارَه من رَجُلَيْنِ، فيَقْبِضَانِها معًا؛ لأنَّه عَقْدٌ تَخَلَّفَ عنه مَقْصُودُه لِمَعْنًى اتَّصَلَ به، فلم يَصِحَّ، كما لو تَزَوَّجَ أُخْتَه من الرَّضَاعِ، بَيانُه أنَّ مَقْصُودَه الحَبْسُ الدَّائِمُ، والمُشَاعُ لا يُمْكِنُ المُرْتَهِنُ حَبْسَهُ، لأنَّ شَرِيكَه يَنْتَزِعُه يومَ نَوْبَتِه، ولأن اسْتِدَامَةَ القَبْضِ شَرْطٌ، وهذا يَسْتَحِقُّ زَوَالَ اليَدِ عنه لِمَعْنًى قَارَنَ العَقْدَ، فلم يَصِحَّ رَهْنُه كالمَغْصُوبِ. ولَنا، أنَّها عَيْنٌ يجوزُ بَيْعُها في مَحلِّ الحَقِّ، فيَصِحُّ (١٨) رَهْنُها كالمُفْرَزَةِ. ولا نُسَلِّمُ أنَّ مَقْصُودَه الحَبْسُ، بل مَقْصُودُه اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ من ثَمَنِه عندَ تَعَذُّرِه من غيرِه، والمُشَاعُ قابِلٌ لذلك، ثم يَبْطُلُ ما ذَكَرُوهُ بِرَهْنِ القَاتِلِ والمُرْتَدِّ والمَغْصُوبِ، وَرَهْنِ مِلْكِ غيره بغيرِ إِذْنِه من غيرِ وِلايَةٍ، فإنَّه يَصِحُّ عندَهم.

فصل: ويَصِحُّ أن يَرْهَنَ بعضَ نَصِيبِه من المُشَاعِ، كما يَصِحُّ أن يَرْهَنَ جَمِيعَه، سواءٌ رَهَنَه مُشَاعًا في نَصِيبِه، مثلَ أن يَرْهَنَ نِصْفَ نَصِيبِه، أو يَرْهَنَ نَصِيبَه من مُعَيَّنٍ، مثلَ أن يكونَ له نِصْفُ دَارٍ فيَرْهَنَ نَصِيبَه من بَيْتٍ منها بعَيْنِه. وقال القاضِى: يَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ رَهْنُ حِصَّتِه من مُعَيَّنٍ من شىءٍ تمكنُ قِسْمَتُه، لِاحْتِمَالِ أن يَقْتَسِمَ الشَّرِيكَانِ، فيَحْصُلُ الرَّهْنُ في حِصَّةِ شَرِيكِه. ولَنا، أنَّه يَصِحُّ بَيْعُه، فصَحَّ رَهْنُه كغيرِه، وما ذَكَرَهُ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ من التَّصَرُّفِ في الرَّهْنِ بما يَضُرُّ بالمُرْتَهِنِ، فَيُمْنَعُ من القِسْمَةِ المُضِرَّةِ، كما يُمْنَعُ من بَيْعِه.

فصل: ويَصِحُّ رَهْنُ المُرْتَدِّ والقَاتِلِ في المُحَارَبَةِ والجَانِى، سواءٌ كانت جِنَايَتُه عَمْدًا أو خَطَأً على النَّفْسِ وما دُونَها. وقال القاضِي: لا يَصِحُّ رَهْنُ القَاتِلِ في


(١٦) سقط من: الأصل.
(١٧) سوار بن عبد اللَّه القاضي، من فقهاء التابعين بالبصرة. توفى سنة خمس وأربعين ومائتين. طبقات الفقهاء، للشيرازى ٩١، العبر ١/ ٤٤٤.
(١٨) في أ: "فصح".

<<  <  ج: ص:  >  >>