للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودُخَانِه، أو يَحْفِرَ في أصْلِ حائِطِه حُشًّا (١٥) يَتَأَذَّى جارُه بِرَائِحَتِه وغيرِها، أو يَجْعَلَ دارَه مَخْبِزًا في وَسَطِ العَطَّارِينَ ونحوه، ممَّا يُؤْذِى جِيرَانَه، فلا يَحِلُّ له ذلك. وقال الشافِعِىُّ: له ذلك كلُّه، لأنَّه تَصَرُّفٌ مُباحٌ في مِلْكِه، أشْبَهَ بِنَاءَه ونَقْضَه. ولَنا، قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ" (١٦). ولأنَّه إحْدَاثُ ضَرَرٍ بِجَارِه، فلم يَجُزْ، كالدَّقِّ الذي يَهُزُّ الحِيطَانَ ويُخَرِّبُها، وكإلْقاءِ السَّمَادِ والتُّرَابِ ونحوه في أصْلِ حائِطِه على وَجْهٍ يَضُرُّ به. ولو كان لِرَجُلٍ مَصْنَعُ ماءٍ، فأرَادَ جارُه غَرْسَ شَجَرةِ تِينٍ (١٧) [قَرِيبًا منه] (١٨) أو نحوها ممَّا تَسْرِى عُرُوقُه فتَشُقُّ حائِطَ مَصْنَعِ جارِه، وتُتْلِفُه، لم يَمْلِكْ ذلك، وكان لِجَارِه مَنْعُه وقَلْعُها إن غَرَسَها. ولو كان هذا الذي يَحْصُلُ منه الضَّرَرُ سَابِقًا، مثل مَن له في مِلْكِه مَدْبَغَةٌ أو مَقْصَرَةٌ، فأحْيَا إنْسانٌ إلى جانِبِه مَوَاتًا، وبَنَاهُ دارًا، يَتَضَرَّرُ بذلك، لم يَلْزَمْ إزَالةُ الضَّرَرِ، بغير خِلَافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّه لم يُحْدِثْ ضَرَرًا. واللَّه تعالى أعلمُ.

٩١٧ - مسألة؛ قال: (وَسَواءٌ في ذلِكَ مَا أحْيَاهُ، أوْ سَبَقَ إلَيْهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، أوْ غَيْرِ إذْنِهِ)

وجملةُ ذلك، أنَّ إحْياءَ المَوَاتِ لا يَفْتَقِرُ إلى إذْنِ الإِمَامِ. وبهذا قال الشافِعِىُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ. وقال أبو حنيفةَ: يَفْتَقِرُ إلى إذْنِه؛ لأَنَّ لِلْإِمامِ مَدْخَلًا في النَّظَرِ في ذلك، بِدَلِيلِ أنَّ من تَحَجَّرَ مَوَاتًا فلم يُحْيِه، فإنَّه يُطَالِبُه بالإِحْياءِ أو التَّرْكِ، فافْتَقَرَ إلى إذْنِه، كمالِ بَيْتِ المالِ. ولَنا، عُمُومُ قولِه عليه السلام: "مَنْ أحْيَا أرْضًا مَيْتَةً (١)، فَهِىَ لَهُ" (٢). ولأن هذا عَيْنٌ مُبَاحةٌ، فلا يَفْتَقِرُ تَمَلُّكُها إلى إذْنِ الإِمَامِ، كأخْذِ


(١٥) الحش: بيت الخلاء.
(١٦) تقدم تخريجه في: ٤/ ١٤٠.
(١٧) سقط من: الأصل.
(١٨) سقط من: ب، م.
(١) سقط من: ب، م.
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>