كانت شَمْطاءَ، فسَوَّدَ شَعْرَهَا. وقِياسُهُم يَبْطُلُ بِتَسْوِيدِ الشَّعْرِ، فإنَّ بَياضَه ليس بِعَيْبٍ كالكِبَرِ، وإذا دَلَّسَهُ ثَبَتَ له الخِيارُ، وأمَّا انْتِفاخُ البَطْنِ، فقد يكونُ من الأكْلِ والشُّرْبِ، فلا مَعْنَى لِحَمْلِه على الحَمْلِ، وعلى أنَّ هذا القِياسَ يُخالِفُ النَّصَّ، واتِّبَاعُ قولِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوْلَى. إذا تَقَرَّرَ هذا، فإنَّما يَثْبُتُ الخِيارُ بِشَرْطِ أن لا يكون المُشْتَرِي عَالِمًا بالتَّصْرِيَةِ، فإنْ كان عَالِمًا، لم يَثْبُتْ له الخِيَارُ. وقال أصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: يَثْبُتُ له الخِيَار في وَجْهٍ؛ لِلْخَبَرِ، ولأنَّ انْقِطَاعَ اللَّبَنِ لم يُوجَدْ، وقد يَبْقَى على حالِه، فلم يُجْعَلْ ذلك رِضًى، كما لو تَزَوَّجَتْ عِنِّينًا، ثم طَلَبَتِ الفَسْخَ. ولنا، أنه اشْتَراهَا عَالِمًا بالتَّدْلِيسِ، فلم يكن له خِيَارٌ، كما لو اشْتَرَى من سَوَّدَ شَعْرَها عالِمًا بذلك، ولأنَّه دَخَلَ على بَصِيرَةٍ فلم يَثْبُتْ له الرَّدُّ، كما لو اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَه، وبَقاءُ اللَّبَنِ على حالِه نادِرٌ بَعِيدٌ، لا يُعَلَّقُ عليه حُكْمٌ، والأصْلُ الذى قاسُوا عليه مَمْنُوعٌ. ولو اشْتَرَى مُصَرَّاةً فصارَ لَبَنُها عادَةً، واسْتَمَرَّ على كَثْرَتِه، لم يكن له الرَّدُّ. وقال أصْحابُ الشَّافِعِيِّ: له الرَّدُّ، في أحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لِلْخَبَرِ، ولأنَّ التَّدْلِيسَ كان مَوْجُودًا حالَ العَقْدِ، فأثْبَتَ الرَّدَّ، كما لو نَقَصَ اللَّبَنُ. ولَنا، أنَّ الرَّدَّ جُعِلَ لِدَفْع الضَّررِ بِنَقْصِ اللَّبَنِ، ولم يُوجَدْ، فامْتَنَعَ الرَّدُّ، ولأنَّ العَيْبَ لم يُوجَدْ، ولم يَخْتَلِفْ صِفَةُ المَبِيعِ عن حالَةِ العَقْدِ، فلم يَثْبُت التَّدْلِيسُ، ولأنَّ الخِيارَ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، ولم يُوجَدْ ضَرَرٌ.
الفصل الثاني، أنَّه إذا رَدَّ، لَزِمَه رَدُّ بَدَلِ اللَّبَنِ. وهذا قولُ كلِّ من جَوَّزَ رَدَّها، وهو مُقَدَّرٌ في الشَّرْعِ بِصاعٍ من تَمْرٍ، كما في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذى أوْرَدْناه، وهذا قولُ اللَّيْثِ، وإسْحاقَ، والشَّافِعِيِّ، وأبى عُبَيْدٍ، وأبى ثَوْرٍ. وذَهَبَ مالِكٌ، وبعضُ الشَّافِعِيَّةِ، إلى أنَّ الواجِبَ صاعٌ من غالِبِ قُوتِ البَلَدِ؛ لأنَّ في بعض الحَدِيثِ:"وَرَدَّ معها صاعًا من طَعَامٍ". وفي بعضها:"وَرَدَّ معها مِثْلَ أو مِثْلَى لَبَنِهَا قَمْحًا" فَجَمَعَ بين الأحادِيثِ، وجَعَلَ تَنْصِيصَه على التَّمْرِ؛ لأْنَّه غالِبُ قُوتِ البَلَدِ في المَدِينَةِ، ونَصَّ على القَمْحِ؛ لأنَّه غالِبُ قُوتِ بَلَدٍ آخَرَ. وقال أبو يُوسُفَ: يَرُدُّ قِيمَةَ اللَّبَنِ؛ لأنَّه ضَمانُ مُتْلَفٍ، فكان مُقَدَّرًا بِقِيمَتِه، كسائِرِ المُتْلفاتِ، وَحُكِىَ ذلك عن ابنِ