للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْثُ ماتَ لذلك. ولو أَحْرَمَ بالحَجِّ، ثمَّ ماتَ، صَحَّتِ النِّيَابَةُ عنه فيما بَقِىَ من النُّسُكِ، سواء كان إحْرَامُه لِنَفْسِه أو لِغَيْرِه. نَصَّ عليه؛ لأنَّها عِبادَةٌ تَدْخُلُها النِّيَابَةُ، فإذا ماتَ بعدَ فِعْلِ بَعْضِها قُضِىَ عنه بَاقِيها، كالزَّكَاةِ.

فصل: فإن لم يُخْلِفْ تَرِكَةً تَفِى بالحَجِّ من بَلَدِه، حُجَّ عنه من حيثُ تَبْلُغُ. وإن كان عليه دَيْنٌ لآدَمِىٍّ تَحَاصَّا، ويُؤْخَذُ لِلْحَجِّ حِصَّتُه، فيُحَجُّ بها من حيثُ تَبْلُغُ. قال أحمدُ، فى رجلٍ أوْصَى أن يُحَجَّ عنه، ولا تَبْلُغُ النَّفَقَة؟ قال: يُحَجُّ عنه من حيثُ تَبْلُغُ النَّفَقَةُ لِلرَّاكِبِ من غير مَدِينَتِه. وهذا لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذَا أمَرْتُكُمْ بأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (٢٠). ولأنَّه قَدَرَ على أداءِ بعض الوَاجِبِ، فَلَزِمَهُ، كالزَّكاةِ. وعن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّ الحَجَّ يَسْقُطُ؛ لأنَّه قال فى رجلٍ أوْصَى بِحَجَّةٍ واجِبَةٍ، ولم يُخْلِفْ ما تَتِمُّ به حَجَّةٌ، هل يُحَجُّ عنه من المَدِينَةِ، أو من حيثُ تَتِمُّ الحَجَّةُ؟ فقال: ما يكونُ الحَجُّ عِنْدِى إلَّا من حيثُ وَجَب عليه. وهذا تَنْبِيهٌ على سُقُوطِه عَمَّنْ عليه دَيْنٌ لا تَفِى تَرِكَتُه به وبالحَجِّ، فإنَّه إذا أسْقَطَهُ مع عَدَمِ المُعَارِضِ، فمع المُعَارِضِ (٢١) بحَقِّ الآدَمِىِّ المُؤَكَّدِ أَوْلَى وأحْرَى. ويَحْتَمِلُ أن يَسْقُطَ عَمَّنْ عليه دَيْنٌ وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّ حَقَّ الآدَمِىِّ المُعَيَّنِ أوْلَى بالتَّقْدِيمِ لِتَأَكُّدِه، وحَقُّه حَقُّ اللهِ تعالى، مع أنَّه لا يُمْكِنُ أداؤُه على الوَجْهِ الوَاجِبِ.

فصل: وإن أوْصَى بحَجِّ تَطَوُّعٍ، فلم يَفِ ثُلُثُه بالحَجِّ من بَلَدِه، حُجَّ به من حَيْثُ يَبْلُغُ (٢٢)، أو يُعَان به فى الحَجِّ. نَصَّ عليه. وقال: التَّطَوُّعُ ما يُبَالى مِن أين كان، ويُسْتَنَابُ عن المَيِّتِ ثِقَةً بأَقَلِّ ما يُوجَد، إلَّا أن يَرْضَى الوَرَثَةُ بِزِيَادَةٍ، أو يكونَ قد أَوْصَى بشىءٍ، فيجوزُ ما أوْصَى به ما لم يَزِدْ على الثُّلُثِ.


(٢٠) تقدَّم فى ١/ ٣١٥.
(٢١) فى الأصل، أ، ب: "المعارضة".
(٢٢) فى ب، م: "بلغ".

<<  <  ج: ص:  >  >>