وجُمْلَتُه أنَّ البَلَدَ متى كان كَبِيرًا] (١)، يَشُقُّ على أهْلِه الاجْتِماعُ في مَسْجِدٍ واحِدٍ، ويَتَعَذَّرُ ذلك لِتَباعُدِ أقْطارِه، أو ضِيقِ مَسْجِدِه عن أهْلِه، كبَغْدَادَ وأصْبهَانَ ونَحْوِهِما من الأمْصَارِ الكِبارِ، جَازَتْ إقامَةُ الجماعةِ فيما يُحْتَاجُ إليه مِن جَوَامِعِها. وهذا قولُ عَطَاءٍ. وأجازَهُ أبو يوسفَ في بَغْدَادَ دونَ غيرِها؛ لأنَّ الحُدُودَ تُقامُ فيها في مَوْضِعَيْنِ، والجُمُعَةُ حيثُ تُقامُ الحُدُودُ، ومُقْتَضَى قولِه، أنَّه لو وُجِدَ بَلَدٌ آخَرُ تُقامُ فيه الحُدُودُ في مَوْضِعَيْنِ، جازَتْ إقامَةُ الجُمُعَةِ في مَوْضِعَيْنِ منه؛ لأنَّ الجُمُعَةَ حيثُ تُقامُ الحُدُودُ. وهذا قولُ ابنِ المُبَارَكِ. وقال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ والشَّافِعِىُّ: لا تجوزُ الجُمُعَةُ في بَلَدٍ واحِدٍ في أكْثَرَ من مَوْضِعٍ واحِدٍ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَكُنْ يُجَمِّعُ إلَّا في مَسْجِدٍ واحِدٍ، وكذلك الخُلَفَاءُ بعده، ولو جَازَ لم يُعَطِّلُوا المساجدَ، حتى قال ابنُ عمرَ: لا تُقامُ الجُمُعَةُ إلَّا في المَسْجِدِ الأكْبَر، الذي يُصَلِّى فيه الإِمامُ. ولَنا، أنَّها صلاةٌ شُرِعَ لها الاجْتِماعُ والخُطْبَةُ، فجَازَتْ فيما يُحْتَاجُ إليه من المَوَاضِعِ، كصلاةِ العِيدِ، وقد ثَبَتَ أنَّ عليًّا، رضِىَ اللهُ عنه، كان يَخْرُجُ يومَ العِيدِ إلى المُصَلَّى، ويَسْتَخْلِفُ على ضَعْفَةِ النَّاسِ أبا مسعودٍ البَدْرِىَّ، فيُصَلِّى بهم. فأمَّا تَرْكُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إقامةَ جُمُعَتَيْنِ، فَلِغِنَاهم عن إحْدَاهما، ولأنَّ أصْحَابَه كانوا يَرَوْنَ سَماعَ خُطْبَتِه، وشُهُودَ جُمُعَتِه، وإن بَعُدَتْ مَنازِلُهم؛ لأنَّه المُبَلِّغُ عن اللهِ تعالى، وشارِعُ الأحْكامِ، ولمَّا دَعَتِ الحَاجَةُ إلى ذلك في الأمْصارِ صُلِّيَتْ في أَماكِنَ، ولم يُنْكَرْ، فَصارَ إجْماعًا. وقولُ ابنِ عمرَ، يَعْنِى أنَّها لا تُقامُ في المساجِدِ الصِّغارِ، ويُتْرَكُ الكَبِيرُ. وأمَّا اعْتِبارُ ذلك بإقامةِ الحُدُودِ، فلا وَجْهَ له. قال أبو دَاوُدَ: سمعتُ أحمدَ يقولُ: أيُّ حَدٍّ كان يُقامُ