للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحُكْمَ، لا يَمْلِكُ الإقْرارَ به، كمَن أقرَّ بعِتْقِ عبدٍ بعدَ بَيْعِه. ثم اخْتلَفوا، فقال الأوْزاعىُّ، [وابنُ المُنذرِ] (٩)، وابنُ أبى ليلَى: هو بِمنزِلةِ الشَّاهدِ، إذا كانَ معه شاهدٌ آخَرُ، قُبِلَ. وقال أصْحابُ الرَّأىِ: لا يُقْبَلُ إلَّا شاهِدَان سِواهُ، يَشْهَدان بذلك. وهو ظاهرُ مذهبِ الشافعىِّ؛ لأنَّ شَهادتَه على فِعْلِ نفسِه لا تُقْبَلُ. ولَنا، أنَّه لو كتبَ إلى غيرِه، ثم عُزِلَ، ووصَلَ الكتابُ بعدَ عَزْلِه، لَزِمَ المكْتوبَ إليه قبولُ كتابِه بعدَ عَزْلِ كاتبِه، فكذلك هاهُنا. ولأنَّه أخْبَرَ بما حكَمَ به، وهو غيرُ مُتَّهمٍ، فيجِبُ قَبولُه، كَحالِ وِلَايتِه.

فصل: فأمَّا إن قال فى وِلايتِه: كنتُ حكمتُ لفلانٍ بكذا. قُبِلَ قولُه، سواءٌ قال: قَضَيْتُ عليه بشاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ. أو قال: سمعتُ بَيِّنتَه وعَرَفْتُ عَدالتَهم. أو قال: قَضَيْتُ عليه بنُكولِه. أو قال: أقرَّ عندِى فُلانٌ لفلانٍ بحَقٍّ، فحَكَمْتُ به. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافعىُّ، وأبو يوسفَ. وحُكِىَ عن محمدِ بنِ الحسنِ: أنَّه لا يُقْبَلُ حتى يَشْهدَ معه رجلٌ عَدْلٌ (١٠)؛ لأنَّه [إخْبارٌ] (١١) بحقٍّ علَى غيرِه، فلم يُقْبَلْ، لأنَّه (١٢) قولُ واحدٍ، كالشَّهادةِ. ولَنا، أنَّه يَمْلِكُ (١٣) الحُكمَ، فملَكَ الإقْرارَ به، كالزَّوجِ إذا أخْبَرَ بالطَّلاقِ، والسَّيِّدِ إذا أخْبَرَ بالعِتْقِ، ولأنَّه لو أخْبَرَ أنَّه رأى كذا وكذا، فحَكمَ به، قُبِلَ، كذا هاهُنا، وفارَقَ الشَّهادةَ، فإنَّ الشاهِدَ لا يَمْلِكُ إثْباتَ ما أخْبرَ به. فأما إنْ قال: حَكَمْتُ بعِلْمِى، أو بالنُّكولِ، أو بشاهدٍ ويمينٍ (١٤) فِى الأمْوالِ. فإنَّه يُقْبَلُ أيضًا. وقال الشَّافعىُّ: لا يُقبلُ قولُه فى القَضاءِ بالنُّكولِ. ويَنْبَنِى قولُه: حكمتُ عليه (١٢) بعلمى. على القَوْليْنِ فى جَوازِ القضاءِ بعلْمِه؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ الحُكمَ بذلك، فلا يَمْلِكُ الإقْرارَ به. ولَنا، أنَّه أخْبرَ بحُكمِه فيما لو حَكَمَ به لنَفَذَ حُكْمُه، فوجبَ قَبُولُه، كالصُّوَرِ التى تقدَّمتْ، ولأنَّه (١٥) حاكِمٌ، أخْبَرَ بحُكْمِه فى وِلَايتِه، فوَجبَ قَبُولُه، كالذى سَلَّمَه، ولأنَّ


(٩) سقط من: ب.
(١٠) فى م: "عادل".
(١١) فى م: "فيه إخبارا".
(١٢) سقط من: م.
(١٣) فى م: "يحكم".
(١٤) سقطت الواو من: ب، م.
(١٥) فى ب: "ولا". وفى م: "ولأن".

<<  <  ج: ص:  >  >>