للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَقْدُ على فِعْلِه، فبَرِئَ منه. وقال القاضي: يَرْفَعُه إلى الحاكِم فيُسَلِّمهُ إليه؛ فإن لم يَجِدْ حَاكِمًا أشْهَدَ شَاهِدَيْنِ على إحْضَارِه وامْتِنَاعِ المَكْفُولِ له من قَبُولِه. والأَوَّلُ أصَحُّ؛ فإنَّ مع وُجُودِ صَاحِبِ الحَقِّ لا يَلْزَمُه دَفْعُه إلى نَائِبِهِ، كحاكِمٍ أو غيرِه. وإن كانت الكَفَالَةُ مُؤَجَّلَةً، لم يَلْزَمْه (١٣) إحْضَارُه قبلَ الأَجَلِ، كالدَّيْنِ المُؤَجَّلِ، فإذا حَلَّ الأجَلُ فأَحْضَرَهُ وسَلَّمَهُ بَرِئَ. وإن كان غَائِبًا أو مُرْتَدًّا لَحِقَ بِدَارِ الحَرْبِ، لم يُؤْخَذْ بالحَقِّ حتى يَمْضِىَ زَمَنٌ يُمْكِنُ المُضِىُّ إليه وإعَادَتُه. وقال ابن شُبْرُمَةَ: يُحْبَسُ في الحالِ؛ لأنَّ الحَقَّ قد تَوَجَّهَ عليه. ولَنا، أنَّ الحَقَّ يُعْتَبَرُ في وُجُوبِ أدَائِه إمكانُ التَّسْلِيمِ. وإن كان حَالَّا كالدَّيْنِ، فإذا مَضَتْ مُدَّةٌ يمكنُ إحْضَارُه فيها ولم يُحْضِرْه، أو كانت الغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً لا يُعْلَمُ خَبَرُهُ، أو امْتَنَعَ من إحْضَارِه مع إمْكَانِه، أُخِذَ بما عليه. وقال أصحابُ الشَّافِعِىِّ: إن كانت الغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً لا يُعْلَمُ مَكَانُه، لم يُطَالَبِ الكَفِيلُ بإحْضَارِه، ولم يَلْزَمْهُ شيءٌ، وإن امْتَنَعَ من إحْضَارِه مع إمْكَانِه حُبِسَ. وقد دَلَّلْنَا على (١٤) وُجُوبِ الغُرْمِ فيما مَضَى. وإن أحْضَرَ المَكْفُولَ به قبلَ الأَجَلِ، ولا ضَرَرَ في تَسْلِيمِه، لَزِمَهُ. وإن كان فيه ضَرَرٌ، مثل أن تكونَ حُجَّةُ الغَرِيمِ غَائِبَةً، أو لم يكُنْ يومَ مَجْلِسِ الحاكِمِ، أو الدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ عليه لا يُمْكِنُ اقْتِضَاؤُه منه، أو قد وَعَدَهُ بالإِنْظَارِ في تلك المُدَّةِ، لم يَلْزَمْهُ قَبُولُه، كما نقولُ في مَن دَفَعَ الدَّيْنَ المُؤَجَّلَ قبل حُلُولِه.

فصل: وإذا عَيَّنَ في الكَفَالَةِ تَسْلِيمَهُ في مكانٍ، فأَحْضَرَهُ في غيرِه، لم يَبْرَأْ من الكَفَالَةِ. وبه قال أبو يوسفَ ومحمدٌ. وقال القاضي: إن أحْضَرَهُ بمكانٍ آخَرَ من البَلَدِ وسَلَّمَهُ، بَرِئَ من الكَفَالَةِ. وقال بعضُ أصْحَابِنا: متى أحْضَرَهُ في أىِّ مكانٍ كان، وفى ذلك المَوْضِعِ سُلْطَانٌ، بَرِئَ من الكَفَالَةِ؛ لكَوْنِه لا يُمْكِنُه الامْتِنَاعُ من مَجْلِسِ الحاكِمِ، ويُمْكِنُ إثْبَاتُ الحُجَّةِ فيه. وقيل: إن كان عليه ضَرَرٌ في إحْضَارِه بمكانٍ آخَرَ، لم يَبْرَأَ الكَفِيلُ بإِحْضَارِه فيه، وإلَّا بَرِئَ، كقَوْلِنا فيما إذا أحْضَرَهُ قبل الأَجَلِ.


(١٣) في أ، ب، م: "يلزم".
(١٤) في الأصل: "في".

<<  <  ج: ص:  >  >>