للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا هي عليه، إنَّما هي عِنْدَهُ. وما ذَكَرُوهُ مَجَازٌ، طَرِيقُه حَذْفُ المُضَافِ وإقَامَةُ المُضَافِ إليه مُقَامَه، أو إقَامَةُ حَرْفٍ مُقَامَ حَرْفٍ، والإِقْرَارُ يُؤْخَذُ فيه بظَاهِرِ اللَّفْظِ، بِدَلِيلِ أنَّه لو قال: له عَلَىَّ دَرَاهِمُ. لَزِمَتْه ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وإن جَازَ التَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الجَمْعِ عن اثْنَيْنِ، وعن واحِدٍ، كقَوْلِ اللَّه تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (٤). ومَوَاضِع كَثِيرَة في القُرْآنِ. ولو قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ. وقال: أرَدْتُ نِصْفَ دِرْهَمٍ، فحَذَفْتُ المُضَافَ وأقَمْتُ المُضَافَ إليه مُقَامَه. لم يُقْبَلْ منه ولو قال: لَكَ من مالِى أَلْفٌ. قال: صَدَقْتَ، ثم قال: أرَدْتُ أنَّ عَلَيْكَ من مَالِى أَلْفًا، وأقَمْتُ اللَّامَ مُقَامَ "عَلَىَّ" كقَوْلِ اللَّه تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (٥). لم يُقْبَلْ منه. ولو قُبِلَ في الإِقْرَارِ مُطْلَق الاحْتِمَالِ، لَسَقَطَ، وَلَقُبِلَ في (٦) تَفْسِير الدَّرَاهِم بالنّاقِصَةِ والزَّائِفَةِ والمُؤَجَّلَةِ. وأمَّا إذا قال: لك عَلَىَّ أَلْفٌ. ثم قال: كان وَدِيعَةً فتَلِفَ. لم يُقْبَلْ قَوْلُه؛ لأنَّه مُتَنَاقِضٌ. وقد سَبَقَ نحوٌ من هذا.

فصل: وإن قال: لك عَلَىَّ مائةُ دِرْهَمٍ. ثم أَحْضَرَها، وقال: هذه التي أَقْرَرْتُ بها، وهى وَدِيعَةٌ كانت لك عِنْدِى. فقال المُقَرُّ له: هذه وَدِيعَةٌ، والتى أَقْرَرْت بها غيرُها، وهى دَيْنٌ عليك. فقولُ الخِرَقِىِّ يَقْتَضِى أنَّ القَوْلَ قولُ المُقَرِّ له. وهو قولُ أبِى حنيفةَ. وقال القاضي: القَوْلُ قولُ المُقِرِّ مع يَمِينِه. ولِلشّافِعِىِّ قَوْلَانِ، كالوَجْهَيْنِ، وتَعْلِيلُهما ما تَقَدَّمَ. وإن كان قال في إِقْرَارِه: لك عَلَىَّ مائةٌ في ذِمَّتِى. فإنَّ القاضىَ وَافَقَ ههُنا في أنَّه لا يُقْبَلُ قولُ المُقِرّ؛ لأنَّ الوَدِيعَةَ عَيْنٌ لا تكونُ في الذِّمَّةِ. قال: وقد (٧) يُقْبَلُ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ: في ذِمَّتِى أدَاؤُهَا. ولأنَّه يجوزُ أن يكونَ عنده وَدِيعَة تَعَدَّى فيها، فكان ضَمَانُها عليه في ذِمَّتِه. ولأَصْحَابِ الشّافِعِىِّ في هذه وَجْهانِ. فأمَّا إن وَصَلَ ذلك بِكَلَامِه، فقال: لك عَلَىَّ مائةٌ وَدِيعَةً. قُبِلَ؛ لأنَّه وَصَلَ كَلَامَه بما يَحْتَمِلُه، فصَحَّ.


(٤) سورة النساء ١١.
(٥) سورة الإسراء ٧.
(٦) سقط من: أ، ب، م.
(٧) في أ، ب، م زيادة: "قيل".

<<  <  ج: ص:  >  >>