للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو الخَطَّابِ: لا تَصِحُّ. وهو قولُ مالِكٍ؛ لأنَّ مُقْتَضاها أن ما يَتَقَبَّلُه كلُّ واحِدٍ منهما من العَمَلِ يَلْزَمُه، ويَلْزَمُ صَاحِبَهُ، ويُطَالَبُ به كلُّ واحِدٍ منهما، فإذا تَقَبَّلَ أحَدُهما شَيْئًا مع اخْتِلافِ صَنائِعِهما، لم يُمْكِن الآخَرَ (٧) أن يَقُومَ به، فكيف يَلْزَمُه عَمَلُه! أم كيف يُطالَبُ بما لا قُدْرَةَ له عليه! وقال القاضي: تَصِحُّ الشَّرِكَةُ؛ لأنَّهما اشْتَرَكا في مَكْسَبٍ مُبَاحٍ، فَصَحَّ (٨)، كما لو اتَّفَقَتِ الصَّنَائِعُ، ولأنَّ الصَّنَائِعَ المُتَّفِقَةَ قد يكونُ أحَدُ الرَّجُلَيْنِ أحْذَقَ فيها من الآخَرِ، فربَّما يَتَقَبَّلُ أحَدُهما ما لا يُمْكِنُ الآخَرَ عَمَلُهُ، ولم يَمْنَعْ ذلك صِحَّتَها، فكذلك إذا اخْتَلَفَتِ الصِّناعَتانِ. وقولهم: يَلْزَمُ كلُّ واحِدٍ منهما ما يَتَقَبَّلُه صَاحِبُه. قال القاضي: يَحْتَمِلُ أن لا يَلْزَمَه ذلك؛ لأنَّهما كالوَكِيلَيْنِ؛ بِدَلِيلِ صِحَّتِهما في المُباحِ، ولا ضَمانَ فيها. وإن قُلْنا: يَلْزَمُه. أمْكَنَه تَحْصِيلُ ذلك بالأُجْرِةِ، أو بمن يَتَبَرَّعُ له بِعَمَلِه. ويَدُلُّ على صِحَّةِ هذا، أَنَّه لو قال أحَدُهما: أنا أتَقَبَّلُ وأنْتَ تَعْملُ. صَحَّتِ الشَّرِكَةُ، وعَمَلُ كلِّ واحِدٍ منهما غيرُ عَمَلِ صاحِبِه.

فصل: وإذا قال أحَدُهما: أنا أتَقَبَّلُ، وأنت تَعْمَلُ، والأُجْرَةُ بينى وبينك. صَحَّتِ الشَّرِكَةُ. وقال زُفَر: لا تَصِحُّ، ولا يَسْتَحِقُّ العَامِلُ المُسَمَّى، وإنَّما له أُجْرَةُ المِثْلِ. ولَنا، أنَّ الضَّمانَ يُسْتَحَقُّ به الرِّبْحُ، [بِدَلِيلِ شَركَةِ الأَبْدانِ، وتَقَبُّلُ العَمَلِ يُوجِبُ الضَّمَانَ على المُتَقَبِّلِ، ويَسْتَحِقُّ به الرِّبْحَ] (٩)، فصَارَ كتَقَبُّلِه المالَ (١٠) في المُضَارَبَةِ، والعَمَلُ يَسْتَحِقُّ به العَامِلُ الرِّبْحَ، كعَمَلِ المُضَارِبِ، فيُنَزَّلُ بِمَنْزِلَةِ المُضَارَبَةِ.

فصل: والرِّبْحُ في شَرِكَةِ الأَبْدَانِ على ما اتَّفَقُوا عليه، من مُساواةٍ أو تَفاضُلٍ؛ لأنَّ العَمَلَ يُسْتَحَقُّ به الرِّبْحُ، ويجوزُ تَفاضُلُهما في العَمَلِ، فجازَ تَفَاضُلُهما في الرِّبْحِ الحاصِلِ به، ولكلِّ واحدٍ منهما المُطالَبَةُ بالأُجْرَةِ، ولِلْمُسْتَأْجِرِ دَفْعُها إلى كلِّ واحدٍ


(٧) في ب: "للآخر".
(٨) سقط من: أ.
(٩) سقط من: ب.
(١٠) في الأصل: "بالمال".

<<  <  ج: ص:  >  >>