للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كشَعَرِ الحاجِبَيْنِ وأهْدابِ العينينِ. والثاني، لا يجبُ، ويَحْتَمِلُه كلامُ الْخِرَقِيِّ، وهو قول أبي حنيفة؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يَكْفِيكِ أن تَحْثِى عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ"، مع إخْبَارِهَا إيَّاهُ بِشَدِّ ضَفْرِ رأْسِها، ومثلُ هذا لا يَبُلُّ الشَّعَرَ المَشْدُودَ ضَفْرُه في العادةِ، ولأنَّه لو وَجبَ بَلُّهُ لَوجَبَ نَقْضُهُ، ليُعْلَمَ أنَّ الغُسْلَ قد أتَى عليه، ولأنَّ الشَّعَرَ ليس مِنْ أجزاءِ الحيوانِ، بدليلِ أنَّه لا يَنْجُسُ بِمَوْتِه، ولا حياةَ فيه، ولا يَنْقُضُ الوُضُوءَ مَسُّه مِن المرأةِ، ولا تَطْلُقُ بِطَلاقِه، فلم يَجِبْ غَسْلُهُ للجنابةِ كَثِيَابها. وأمَّا حديثُ: "بُلُّوا الشَّعَرَ". فيَرْوِيهِ الحارِثُ بنُ وَجِيهٍ (١٩) وَحْدَه، وهو ضعيفُ الحديثِ، عن مالِكِ بنِ دِينَار. وأمَّا الحاجِبانِ فيَجِبُ غَسْلُهُما؛ لأنَّ مِنْ ضَرُورَةِ غَسْلِ بَشَرَتِهِما غَسْلُهما، وكذا كُلُّ شَعَرٍ مِنْ ضَرُورَةِ غَسْلِ بَشَرَتِه غَسْلُه، فيجبُ غَسْلُه؛ ضَرُورَةَ أنَّ الوَاجِبَ لا يَتِمُّ إلَّا به. وإنْ قُلْنَا بوُجوبِ غَسْلِه، فَتَرَكَ غَسْلَ بعضِه، لم يَتِمَّ غُسْلُه. فإن قَطَعَ المَتْروكَ، تَمَّ (٢٠) غُسْلُه؛ لأنَّه لم يَبْقَ في بَدَنِهِ شيءٌ غيرُ مَغْسُولٍ. ولو غَسَلَهُ، ثم انْقَطَعَ، لم يَجِبْ غَسْلُ مَوْضِعِ المَقْطوعِ (٢١). ولم يَقْدَحْ ذلك في غُسْلِهِ.

فصل: وغُسْلُ الحَيْضِ كغُسْلِ الجنابةِ، إلَّا في نَقْضِ الشَّعَرِ، وأنَّه يُستحبُّ أن تَغتسلَ بماءٍ وسِدْرٍ، وتَأْخُذَ فِرْصَةً مُمَسَّكةً فَتَتَّبِعُ بها مَجْرَى الدَّمِ، والموضعَ الذي يصلُ إليه الماءُ مِن فَرْجِها؛ لِيَقْطَعَ عنها زُفُورَةَ الدَّمِ ورائحتَه، فإنْ لم تجدْ مِسْكًا فغَيرَه مِن الطِّيبِ، فإن لم تجدْ فالماءُ شافٍ كافٍ. قالتْ عائِشَةُ، رَضِىَ اللهُ عنها: إنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ غُسْلِ المَحِيضِ، فقال: "تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ سِدْرَتَها ومَاءَها، فتَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثم تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً، فتَتَطَهَّرُ بِهَا". فقالتْ أسْماءُ: وكيف أتَطَهَّرُ بها؟ فقال: "سُبْحَانَ اللهِ! تَطهَّرِي بِها". فقالتْ عائِشَةُ، كأنَّها


(١٩) أبو محمد الحارث بن وجيه الراسبي البصري. انظر تضعيفه في تهذيب التهذيب ٢/ ١٦٢. وانظر قول الترمذي فيه، في موضعه من التخريج السابق.
(٢٠) في م: "ثم".
(٢١) في م: "القطع".

<<  <  ج: ص:  >  >>