للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَذَرَ أن يُصَلِّىَ، لَزِمَتْه صلاةٌ شَرْعِيَّةٌ دون اللُّغَوِيَّةِ. وإِنْ قال: للَّهِ علىَّ أَنْ أُهْدِىَ بَدَنةً، أو بقرةً، أو قال: شاةً. لَزِمَه أقلُّ ما يُجْزِئُ من ذلك الجِنْسِ الذى عَيَّنَه. فإنْ نَذَرَ بدَنةً، أجْزَأَه ثَنِيَّةٌ من الإِبلِ أو ثَنِىٌّ، فإن لم يَجِدْ من الإبلِ، فبقَرةٌ، فإن لم يجِدْ، فسَبْعٌ من الغَنَمِ، لأنَّ النَّذْرَ محمولٌ على مَعْهودِ الشَّرْعِ، وقد تقَرَّر فى الشَّرْعِ أَنَّ البقرةَ تقومُ مَقامَ البَدَنةِ، وكذلك سَبْعٌ من الغنَمِ. فإن أرادَ إخراجَ البقرةِ أو الغنَمِ، مع القُدْرةِ على البَدَنَةِ، فقال القاضى: لا يُجْزِئُه (٦). وهو المَنْصُوصُ عن الشافعىِّ. والذى يَقْتَضِيهِ مذهبُ الْخِرَقىِّ، جَوازُ ذلك؛ لقولِه: ومنْ وجَبَ عليه بَدَنةٌ، فذَبحَ سَبْعًا مِن الغنمِ، أجْزأَه. فإنْ نَوَى بِنَذرِه بَدَنةً من الإبِلِ، لم يُجْزِئْه غيرُها مع وُجودِها، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّها وجَبتْ بإيجابِه، بخلافِ ما إذا أطْلقَ، فإنَّها انْصَرفتْ إلى الإبلِ بمَعْهودِ الشَّرْعِ، ومَعْهودُ الشَّرْعِ فيها أَنْ تَقومَ البقرةُ مَقامَها. فأمَّا إِنْ نوَاها مِن الإِبلِ أو غيرِه، فمُقْتَضَى المذهبِ أنَّه لا يقومُ غيرُها مَقامَها، كسائرِ المَنذُوراتِ. وكذلك إن صرَّحَ بها فى نَذْرِه. مثل أن يقولَ: للَّهِ علىَّ أَنْ أُهْدِىَ ناقةً. ويَحْتَمِلُ أن تقومَ البقرةُ مَقامَها عندَ عدَمِها؛ لأنها تعَيَّنتْ هَدْيًا شَرْعِيًّا، والهَدْىُ الشَّرْعِىُّ له بَدَلٌ.

فصل: ومَن نذرَ هَدْيًا، لَزِمَه إيصالُه إلى مَساكينِ الحرمِ؛ لأنَّ إطْلاقَ الهَدْى يقْتَضِى ذلك، قال اللَّهُ تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (٧). فإنْ عَيَّن شيئًا بنَذْرِه، مثلَ أَنْ يقولَ: أُهْدِى شاةً، أو ثَوْبًا، أو بُرًّا، أو ذهبًا. وكان ممَّا يُنقَل، حُمِلَ إلى الحرمِ، ففُرِّقَ فى مَساكينِه، وإِنْ كانَ ممَّا لا يُنْقَلُ، نحو أن يقولَ: للَّهِ علىَّ أن أُهْدِىَ دارِى هذه، أو أرْضِى، أو شَجَرتِى هذه. بِيعَتْ، وبُعِثَ بثَمنِها إلى الحرَمِ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ إهْداؤه بعَيْنه، فانْصرفَ بذلك (٨) إلى بَدَلِه. وقد رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، أَنَّ رجلًا سأله، فى امرأة نذَرتْ أن تُهْدِىَ دارًا، فقال: تَبيعُها، وتتصَدَّقُ بثَمنِها على مساكينِ الحرمِ. وكذلك لو كان المَنْذُورُ ممَّا يُنْقَلُ، لكنَ يَشُقُّ نَقْلُه، كخشَبةٍ ثَقِيلةٍ، فإنَّه يَبِيعُها؛ لأنَّه أحَظُّ للمساكينِ مِن


(٦) فى ب: "يجوز".
(٧) سورة المائدة ٩٥.
(٨) فى ب: "ذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>