للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطاعَةِ. ولأنَّ اليمينَ كالنَّذْرِ، ولا نَذْرَ فى مَعْصِيَةِ اللَّه تعالى. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، ولْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ" (٣). وقال: "إنِّى وَاللَّهِ، إِنْ شاءَ اللَّهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فأَرَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، كفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى". أخْرَجَه البُخارِىُّ (٣). وحَديثُهم لا يُعارِضُ حَدِيثَنا؛ لأَنَّ حَدِيثَنا أصَحُّ منه وأَثْبَتُ. ثم إنَّه يَحْتَمِلُ أَنَّ تَرْكَها كَفّارَةٌ لإِثْمِ الحَلِفِ، والكَفَّارَةُ المُخْتلَفُ فيها كَفَّارَةُ المُخالَفَةِ. وقولُهم: إِنَّ الحِنْثَ طاعَةٌ. قُلْنا: فالْيَمِينُ غيرُ طاعَةٍ، فتَلْزَمُه الكَفَّارَةُ؛ للمُخالَفَةِ، ولتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّه تعالَى إِذَا حَلَفَ به ولم يَبَرَّ يَمِينَه. إِذَا ثَبَتَ هذا، نَظَرْنا فى يَمِينه، فإنْ كانتْ على تَرْكِ شىءٍ ففَعَلَه، حنِثَ، ووَجَبَت الكفَّارَةُ. وإِنْ كانَت على فِعْلِ شىءٍ فلم يَفْعَلْه، وكانت يَمِينُه مُؤَقَّتةً بلَفْظِه، أو نِيَّتِه، أو قَرِينةِ حالِه، ففاتَ الوَقْتُ، حَنِثَ، وكفَّرَ. وإِنْ كانت مُطْلَقَةً، لم يَحْنَثْ إلَّا بفَواتِ وَقْتِ الإِمْكانِ؛ لأنَّه ما دامَ فى الوقتِ والفعلُ ممكنٌ، فيَحْتَمِلُ أَنْ يفْعَلَ فلا يَحْنَثُ؛ ولهذا قال عمرُ للنَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألمْ تُخْبِرْنَا أنَّا نَأْتِى الْبَيْتَ، ونَطُوف (٤) به؟ [قال: "فَأَخْبَرْتُك أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ " قال: لا. قال: "فَإِنَّك آتِيه ومُطَوِّفٌ (٥) بِهِ"] (٦). وقد قال اللَّهُ تعالَى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ} (٧). وهو حَقٌّ، ولم يأْتِ بَعْدُ.

١٧٧٩ - مسألة؛ قال: (وَإِنْ فَعَلَهُ ناسيًا، فَلَا شَىْءَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَتِ الْيَمِينُ بِغيْرِ الطَّلَاق وَالْعَتَاقِ)

وجملةُ ذلك أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لا يَفْعَلَ شيئًا، ففَعَلَه ناسِيًا، فلا كَفَّارَةَ عليه. نَقَلَه عن أحمد الجماعَةُ، إلَّا فى الطَّلاق والْعَتاقِ، فإنَّه يحْنَثُ. هذا ظاهِرُ المَذْهَبِ. واخْتارَهُ الخَلَّالُ وصاحِبُه. وهو قولُ أبى عُبَيْدٍ. وعن أحمدَ، رِوايَةٌ أخْرَى، أنَّه لا يحْنَثُ فى الطَّلاقِ


(٣) تقدم التخريج، فى: ١/ ٣٩١.
(٤) فى الأصل: "ونتطوف".
(٥) فى الأصل، أ: "ومتطوف". وتقدم تخريج الحديث، فى: ١٠/ ٤٤١.
(٦) سقط من: ب. نقل نظر.
(٧) سورة التغابن ٧. ولم يرد فى الأصل، أ، ب: {قل}.

<<  <  ج: ص:  >  >>