للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُقَرَائِهِمْ" (٥). وهذا يَخْتَصُّ بِفُقَرَاءِ بَلَدِهم. ولمَّا بَعَثَ مُعَاذٌ الصَّدَقَةَ من اليَمَنِ إلى عمرَ، أنْكَرَ عليه ذلك عمرُ، وقال: لم أَبْعَثْكَ جَابِيًا، ولا آخِذَ جِزْيَةٍ، ولكن بَعَثْتُكَ لِتَأْخُذَ من أَغْنِيَاءِ النَّاسِ، فَتَرُدَّ في فُقَرَائِهِمْ. فقال مُعَاذٌ (٦): ما بَعَثْتُ إليك بِشىءٍ وأنا أَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُه مِنِّي. رَوَاهُ أبو عُبَيْدٍ في "الأمْوالِ" (٧). وَرُوِيَ أيضًا عن إبراهيمَ بن عَطاءٍ مَوْلَى عِمْرَانَ بن حُصَينٍ، أنَّ زِيَادًا، أو بَعْضَ الأُمَرَاءِ، بَعَثَ عِمْرانَ على الصَّدَقَةِ، فلمَّا رَجَعَ قال: أينَ المالُ؟ قال: ألِلْمَالِ بَعَثْتَنِى؟ أخَذْنَاهَا مِن حيثُ كُنَّا نَأْخُذُها على عَهْدِ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَوَضَعْنَاهَا حيثُ كُنَّا نَضَعُها على عَهْدِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (٨). ولأنَّ المَقْصُودَ إغْنَاءُ الفُقَرَاءِ بها، فإذا أبَحْنَا نَقْلَها أَفْضَى إلى بَقَاءِ فُقَرَاءِ ذلك البَلَدِ مُحْتَاجِينَ.

فصل: فإن خَالَفَ ونَقَلَها، أجْزَأَتْه في قَوْلِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. قال القاضي: وظاهِرُ كلامِ أحمدَ يَقْتَضِي ذلك، ولم أَجِدْ عنه نَصًّا في هذه المَسْأَلَةِ، وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ فيها رِوَايَتَيْنِ: إحْداهُما، يُجْزِئُه. واخْتَارَهَا؛ لأنَّه دَفَعَ الحَقَّ إلى مُسْتَحِقِّه، فَبَرِيء منه كالدَّيْنِ، وكما لو فَرَّقَها في بَلَدِها. والأُخْرَى، لا تُجْزِئُه. اخْتَارَها ابنُ حامِدٍ؛ لأنَّه دَفَعَ الزكاةَ إلى غيرِ من أُمِرَ بِدَفْعِهَا إليه، أشْبَهَ ما لو دَفَعَها إلى غيرِ الأصْنافِ.

فصل: فإن اسْتَغْنَى عنها فُقَرَاءُ أهْلِ بَلَدِها، جازَ نَقْلُها. نَصَّ عليه أحمدُ، فقال: قد تُحْمَلُ الصَّدَقَةُ إلى الإمام إذا لم يَكُنْ فيها (٩) فُقَرَاءُ أو كان فيها فَضْلٌ عن


(٥) تقدم تخريجه في صفحة ٥.
(٦) في م زيادة: "أنا".
(٧) في: باب قسم الصدقة في بلدها. الأموال ٥٩٦.
(٨) في أ، ب زيادة: "رواه أبو داود".
وأخرجه أبو داود، في: باب في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود ١/ ٣٧٧. وابن ماجه، في: باب ما جاء في عمال الصدقة، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه ١/ ٥٧٩.
(٩) سقط من: أ، ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>