للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس يَرْوِيهِ غيرُ جَرِيرٍ. قال أحمدُ: وقد رُوِى عن عمرَ أنَّه قال: إنْ أخَذَها فى كَفِّه (٦) ثم أسْلَمَ، رَدَّها عليه. ورُوِىَ عن النَّبِىّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "لا يَنْبَغِى لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَدِّىَ الْخَرَاجَ" (٧). يعنى الجِزْيَةَ. ورُوِى أَنَّ ذِمِّيًّا أسْلَمَ، فطُولِبَ بالجِزْيَةِ، وقيل: إنَّما أسْلَمْتَ تَعَوُّذًا. قال: إنَّ فى الإِسلامِ مَعاذًا. فرُفِعَ إلى عمرَ، فقال عمرُ: إنَّ فى الإِسلامِ مَعاذًا. كتَب ألَّا تُؤْخَذَ منه الجِزْيَةُ. رواه أبو عُبَيْدٍ بنحوٍ من هذا المعنى (٨). ولأنَّ الجِزْيَةَ صَغارٌ، فلا تُؤْخَذُ منه، كما لو أسْلَمَ قبلَ الحَوْلِ، ولأنّ الجِزْيَةَ عُقُوبَةٌ تَجِبُ بسَبَبِ الكُفْرِ، فيسْقِطُها الإِسْلامُ، كالقَتْلِ. وبهذا فارَق سائِرَ الدُّيونِ.

فصل: وإن ماتَ الذِّمِّىُّ بعدَ الحَوْلِ، لم تَسْقُط الجِزْيَةُ عنه، فى ظاهِرِ كلامِ أحمد. ذكَره أحمدُ. وهو مذهبُ الشافِعِىِّ. وحكى أبو الخَطَّابِ، عن القاضى، أنَّها تسقُطُ بالمَوْتِ. وهو قولُ أيى حنيفةَ. ورواه أبو عُبَيْدٍ (٩) عن عمرَ بنِ عبد العزيز؛ لأنَّها عُقوبَةٌ، فتسقُطُ بالموتِ، كالحدودِ، ولأنَّها تسْقطُ بالإِسلامِ، فتَسْقطُ بالموتِ، كما قبلَ الحَوْلِ. ولَنا، أنَّه دَيْنٌ وجَبَ عليه فى حياتِه، فلمْ يَسْقُطْ بمَوْتِه، كدُيونِ الآدَمِيِّين، والحدُّ يسْقُط بفَواتِ مَحلِّه، وتَعذُرِ اسْتيفائِه، بخلافِ الجِزْيَةِ. وفارَق الإِسْلامَ؛ فإنَّه الأَصْلُ، والجِزْيَةُ بَدَلٌ عنه، فإذا أتى بالأَصْلِ اسْتَغْنَى عن البدَلِ، كمَنْ وجَدَ الماءَ لا يَحْتاجُ معه إلى (١٠) التَّيَمُّمِ، بخلافِ الموتِ، ولأنَّ الإِسلامَ قُربَةٌ وطاعةٌ، يصْلُحُ أَنْ يكونَ مَعاذًا من الجِزْيَةِ، كما ذكر عمرُ، رَضىِ اللَّه عنه، والموتُ بخلافِه.


= ٢/ ١٥٢. والترمذى، فى: باب ما جاء ليس على المسلم جزية، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذى ٣/ ١٢٧. والإمام أحمد، فى: المسند ١/ ٢٢٣، ٢٨٥.
(٦) فى ب: "يده".
(٧) أخرجه أبو داود، فى: باب فى تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات، من كتاب الخراج والفىء والإمارة. سنن أبى داود ٢/ ١٥١. وابن ماجه، فى: باب العشر والخراج، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه ١/ ٥٨٦.
(٨) فى: باب الجزية على من أسلم من أهل الذمة. . .، من كتاب الفىء ووجوهه وسبله. الأموال ٤٨.
كما أخرجه عبد الرزاق، فى: باب ما يحل من أموال أهل الذمة، من كتاب أهل الكتاب. المصنف ٦/ ٩٤.
(٩) فى: باب الجزية على من أسلم من أهل الذمة. أو مات وهى عليه، من كتاب سنن الفىء والخمس والصدقة. . . الأموال ٤٩.
(١٠) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>