للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيكونُ كقَوْلِنا. فأمَّا تَحْرِيمُها على الإِطْلاقِ فلا يَصِحُّ؛ لقولِه تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (٣٦). ولأنَّها مُحَلَّلةٌ لغيرِ الزانِى، فحَلَّتْ له، كغيرِها.

فصل: وإن زَنَتِ امرأةُ رَجُلٍ، أو زَنَى زَوْجُها، لم يُفْسَخِ (٣٧) النِّكاحُ، سواءٌ كان قبلَ الدُّخولِ أو بعدَه، فى قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ. وبذلك قال مجاهدٌ، وعطاءٌ، والنَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وعن جابرِ بن عبدِ اللَّه، أَنَّ المرأةَ إذا زَنَتْ يُفَرَّقُ بينهما، وليس لها شىءٌ. وكذلك رُوِىَ عن الحسنِ. وعن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه فَرَّقَ بين رَجُلٍ وامْرَأتِه زَنَى قبلَ [أن يدْخُلَ] (٣٨) بها (٣٩). واحْتجَّ لهم بأنَّه لو قَذَفَها وَلاعَنَها بانَتْ منه؛ لتَحْقِيقِه (٤٠) الزِّنَى عليها، فدَلَّ على أن الزِّنَى يُبِينُها (٤١). ولَنا، أَنَّ دَعْواه الزِّنَى عليها لا يُبِينُها، ولو كان النكاحُ يَنْفَسِخُ به لَانْفَسَخَ بمُجَرَّدِ دَعْواه، كالرَّضَاعِ، ولأنَّها مَعْصِيةٌ لا تُخْرِجُ عن الإِسلامِ، فأشْبَهَتِ السَّرقةَ، فأمَّا اللِّعانُ فإنه يَقْتَضِى الفَسْخَ بدُونِ الزِّنى، بدَليلِ أنَّها إذا لَاعَنَتْه فقد قابَلَتْه، فلمْ يَثْبُتْ زِناها، ولذلك أَوْجَبَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الحَدَّ على مَنْ قَذَفَها، والفَسْخُ واقِعٌ. ولكنَّ أحمدَ اسْتَحَبَّ للرَّجُلِ مُفارَقَةَ امْرأتِه إذا زَنَتْ، وقال: لا أَرَى أن يُمْسِكَ مثلَ هذه. وذلك أنَّه لا يُؤْمَنُ أن تُفْسِدَ فِراشَه، وتُلْحِقَ به وَلَدًا ليس منه. قال ابنُ المُنْذِرِ: لَعَلَّ من كَرِهَ هذه


= كما أخرجه عبد الرزاق، عن ابن مسعود وعائشة، فى: باب الرجل يزنى بامرأة ثم يتزوجها، من كتاب الطلاق. المصنف ٧/ ٢٠٥, ٢٠٦.
(٣٦) سورة النساء ٢٤.
(٣٧) فى الأصل، ب: "ينفسخ".
(٣٨) فى م: "الدخول".
(٣٩) أخرجه البيهقى، فى: باب ما يستدل به على قصر الآية على ما نزلت فيه أو نسخها، من كتاب النكاح. السنن الكبرى ٧/ ١٥٦.
(٤٠) فى الأصل: "الحقيقة".
(٤١) فى م: "بينهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>