للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُدَّعَى عليه لو ادَّعاه، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وبَيِّنَتُه، فإذا (١٥) كان حَاضِرًا مُكَلَّفًا، فسُكُوتُه عن دَعْوَى ذلك دلِيلٌ على انْتِفَائِه، فيُكْتفَى بالْبَيِّنَةِ، وإِنْ كان غائِبًا، أو مِمَّن لا قَوْلَ له، نُفِىَ احْتمالُ ذلك من غيرِ دَلِيلٍ يَدُلُّ على انْتِفَائِه، فتُشْرعُ اليَمِينُ لنفْيه (١٦). وإِنْ لم تَكُنْ للمُدَّعِى بَيِّنَةٌ، وكانتْ (١٧) للمُنْكرِ بَيِّنَةٌ، سُمِعتْ بَيِّنَتُه، ولم يَحْتَجْ إلى الحَلِفِ مَعها؛ لأنَّا إِنْ قُلْنَا بتَقْدِيمِها مع التَّعَارُضِ، وأنَّه لا يَحْلِفُ معها، فمع انْفِرَادِها أوْلَى، وإِنْ قُلْنَا بتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ المُدَّعَى عليْه، فيَجِبُ أَنْ يُكْتفَى بها عن اليَمِينِ؛ لأنَّها أقْوَى من الْيَمِينِ، فإذا اكْتُفِىَ باليَمِينِ، ففيما (١٨) هو أقْوَى منها أوْلَى. ويحْتَمِلُ أَنْ تُشْرَعَ اليَمِينُ أيضًا؛ لأنَّ البَيِّنَةَ ههُنا يحْتَمِلُ أَنْ تكُونَ مُسْتَنَدُها اليَدَ والتَّصَرُّفَ، فلا تُفِيدُ إِلَّا ما أفادَتْه اليَدُ والتَّصَرُّفُ، وذلك لا يُغْنِى عن اليَمِينِ، فكذلك ما قَامَ مقَامَه.

فصل: وإِنْ ادَّعَى الخَارِجُ أَنَّ الدَّابَّةَ مِلْكُه، وأنَّه أوْدَعَها للدَّاخِلِ، أَوْ أعَارَه إيَّاها، أو آجَرَها منه، ولم يكُنْ لوَاحِدٍ منهما بَيِّنَةٌ، فالقَوْلُ قوْلُ المُنْكِرِ مع يَمِينِهِ، ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. وإِنْ كان لكُلِّ واحِدٍ منهما بَيِّنَةٌ؛ فبَيِّنَةُ الخَارِجِ مُقَدَّمَةٌ. وهذا قَوْلُ الشَّافِعِىُّ. وقال القاضِى: بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ مُقَدَّمَةٌ؛ لأنَّه هو الخَارِجُ فى المعْنَى؛ لأنَّه ثَبتَ أَنَّ المُدَّعِىَ صَاحِبُ اليَدِ، وأنَّ يَدَ الدَّاخِلِ نائِبَةٌ عنه. ولَنا، قولُ النَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِى". ولأنَّ اليَمِينَ فى حَقِّ المُدَّعَى عليه، فتكونُ الْبَيِّنَةُ للمُدَّعِى، كما لو لم يَدَّعِ الإِيدَاعَ، يُحَقِّقُه أَنَّ دَعْوَاه الإِيدَاعَ زِيَادَةٌ فى حُجَّتِه، وشهادَةَ البَيِّنَةِ بها تَقَوِيَةٌ لها، فلا يجوزُ أَنْ تكون مُبْطِلَةً لِبَيِّنَتِه. وإن ادَّعى الخارجُ أَنَّ الداخلَ غصَبه إيَّاها، فأقاما بيِّنتَيْن، فهى (١٩) للخَارِجِ، ويَقْتَضِى قولُ القَاضِى أنَّها للدَّاخِلِ، والأَوْلَى ما ذَكَرْناه.

فصل: فإنْ كان فى يَدِ رَجُلٍ جِلْدُ شاةٍ مَسْلُوخَةٍ، ورَأْسُها وسَوَاقِطُها وبَاقِيها فى يَدِ آخَرَ، فادَّعَاها كلُّ واحدٍ منهما كلَّها، ولا بَيِّنَةَ لواحِدٍ منهما، فلكُلِّ واحِدٍ منهما ما فى يَدِه مع


(١٥) فى م: "فإن".
(١٦) فى ب، م: "لنفسه".
(١٧) سقطت الواو من: الأصل، أ، م.
(١٨) فى الأصل، ب، م: "فيما".
(١٩) فى ب: "قضى".

<<  <  ج: ص:  >  >>