للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْرُجُ، لم يكنْ له أن يُصَلِّىَ صلاةَ شِدَّةِ الخَوْفِ؛ لأنَّها إنَّما أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ، فاخْتَصَّتْ بِوُجُودِ الضَّرُورَةِ.

فصل: والعَاصِى بِهَرَبِه، كالذي يَهْرُبُ من حَقٍّ تَوَجَّهَ عليه، وقاطِعِ الطَّرِيقِ، واللِّصِّ، والسَّارِقِ، ليسَ له أن يُصَلِّىَ صلاةَ الخَوْفِ؛ لأنَّها رُخْصَةٌ ثَبَتَتْ لِلدَّفْعِ عن نَفْسِه في مَحَلٍّ مُباحٍ، فلا تَثْبُتُ بِالمَعْصِيَةِ، كرُخَصِ السَّفَرِ.

فصل: قال أصْحَابُنا: يجوزُ أن يُصَلُّوا في حالِ شِدَّةِ الخَوْفِ جَماعَةً، رِجَالًا، ورُكْبَانًا. ويَحْتَمِلُ أن لا يجوزَ ذلك. وهو قَوْلُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّهم يَحْتاجُونَ إلى التَّقَدُّمِ (١٠) والتَّأَخُّرِ، وَرُبَّما تَقَدَّمُوا الإِمامَ، وتَعَذَّرَ عليهم الائْتِمامُ. واحْتَجَّ أصْحَابُنا بأنَّها حالَةٌ يجوزُ فيها الصلاةُ على الانْفِرادِ، فجازَ فيها صلاةُ الجَمَاعَةِ، كرُكُوبِ السَّفِينَةِ، ويُعْفَى عن تَقَدُّمِ الإِمامِ لِلْحاجَةِ إليه، كالعَفْوِ عن العَمَلِ الكَثِيرِ. ولمن نَصَرَ الأوَّلَ أن يقولَ: العَفْوُ عن ذلك لا يَثْبُتُ إلَّا بِنَصٍّ أو مَعْنَى نَصٍّ، ولم يُوجَدْ واحِدٌ منهما، وليس هذا في مَعْنَى العَمَلِ الكَثِيرِ؛ لأنَّ العَمَلَ الكَثِيرَ لا يخْتَصُّ الإِمامَةَ، بل هو في حالِ الانْفِرادِ، كحالِ الائْتِمامِ، فلا يُؤَثِّرُ الانْفِرادُ في نَفْسِه (١١)، بخِلافِ تَقَدُّمِ الإِمامِ.

فصل: وإذا صَلَّوْا صلاةَ الخَوْفِ، ظَنًّا منهم أنَّ ثَمَّ عَدُوًّا، فبانَ أنَّه لا عَدُوَّ ثَمَّ (١٢)، أو بانَ عَدُوٌّ لكنْ بينَهم وبينَه ما يَمْنَعُ عُبُورَهُ إليهم، فعليهم الإِعادَةُ، سَوَاءٌ صَلَّوْا صلاةَ شِدَّةِ الخَوْفِ أو غيرَها، وسَوَاءٌ كان ظَنُّهم مُسْتَنِدًا إلى خَبَرِ ثِقَةٍ أو غيرِه، أو رُؤْيَةِ سَوادٍ، أو نحوِه؛ لأنَّهم تَرَكُوا بعضَ وَاجِباتِ الصلاةِ ظَنًّا منهم سُقُوطَها، فَلَزِمَتْهم الإِعادَةُ، كما لو تَرَكَ المُتَوَضِّئُ غَسْلَ رِجْلَيْه، ومَسَحَ على


(١٠) في الأصل: "التقديم".
(١١) في أ، م: "نفيه".
(١٢) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>