للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (٦). وأَجْمَعَ المُسْلِمُونَ على أنَّه لا يَلْزَمُه هذا، أو مُتابَعَةُ العَمَلِ لِلْمُتَنازَعِ فيه، وهو جائِزٌ بالإِجْمَاعِ، فَتَعَيَّنَ فِعْلُه وصِحَّةُ الصلاةِ معه. ثم ما ذَكَرَه يبْطُل بالمَشْىِ (٧) الكَثِيرِ، والعَدْوِ في الهَرَبِ وغَيْرِه. وأمَّا تَأْخِيرُ الصلاةِ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فرَوَى أبو سعيدٍ، أنَّه كان قبلَ نُزُولِ صَلَاةِ الخَوْفِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه شَغَلَهُ المُشْركُونَ فَنَسِىَ الصلاةَ، فقد نُقِلَ ما يَدُلُّ على ذلك، وقد ذَكَرْنَاهُ فيما مَضَى (٨)، وأَكَّدَهُ أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصْحَابَه لم يكونُوا في مُسايَفَةٍ تُوجِبُ قَطْعَ الصلاةِ. وأمَّا الصِّيَاحُ، والحَدَثُ، فلا حاجَةَ بهم إليه، ويُمْكِنُهم التَّيَمُّمُ، ولا يَلْزَمُ من كَوْنِ الشَّىءِ مُبْطِلًا مع عَدَمِ العُذْرِ أن يُبْطِلَ معه، كَخُرُوجِ النَّجاسَةِ من المُسْتَحاضَةِ، ومَن به سَلَسُ البَوْلِ. وإنْ هَرَبَ من العَدُوِّ هَرَبًا مُباحًا، أو مِن سَيْلٍ، أو سَبُعٍ، أو حَرِيقٍ لا يُمْكِنُه التَّخَلُّصُ منه بِدُونِ الهَرَبِ. فله أن يُصَلِّىَ صلاةَ شِدَّةِ الخَوْفِ، سَوَاءٌ خافَ على نَفْسِه، أو مالِه، أو أهْلِه. والأسِيرُ إذا خافَهم على نَفْسِه إنْ صَلَّى، والمُخْتَفِى في مَوْضِعٍ، يُصَلِّيانِ كيفما أمْكَنَهما. نَصَّ عليه أحمدُ في الأسِيرِ. ولو كان المُخْتَفِى قَاعِدًا لا يُمْكِنُه القِيامُ، أو مُضْجَعًا لا يُمْكِنُه القُعُودُ، ولا الحَرَكَةُ، صَلَّى على حَسَبِ حالِه. وهذا قولُ محمدِ بنِ الحسنِ. وقال الشَّافِعِىُّ: يُصَلِّى ويُعِيدُ. وليسَ بِصَحِيحٍ؛ لأنَّه خائِفٌ صَلَّى على حَسَبِ ما يُمْكِنُه، فلم تَلْزَمْهُ الإِعادَةُ كالهارِبِ. ولا فَرْقَ بين الحَضَرِ والسَّفَرَ في هذا؛ لأنَّ المُبِيحَ خَوْفُ الهَلاكِ، وقد تَسَاوَيا فيه، ومتى أمْكَنَ التَّخَلُّصُ بدون ذلك، كالهارِبِ من السَّيْلِ يَصْعَدُ إلى رَبْوَةٍ، والخائِفِ من العَدُوِّ يُمْكِنُه دُخُولُ حِصْنٍ يَأْمَنُ فيه صَوْلَة العَدُوِّ، ولُحُوقَ الضَّرَرِ (٩)، فَيُصَلِّى فيه، ثم


(٦) سورة البقرة ١٩٥.
(٧) في أ، م: "المشى".
(٨) تقدم في صفحة ٢٩٨.
(٩) في الأصل: "ضرر".

<<  <  ج: ص:  >  >>