للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أحمدُ: يُنْفِقُ على مَعْنَى ما كان يُنْفِقُ على نَفْسِه، غيرَ مُتَعَدٍّ بالنَّفَقَةِ، ولا مُضِرٍّ بالمالِ. ولم يَذْهَبْ أحمدُ إلى تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ؛ لأنَّ الأَسْعَارَ تَخْتَلِفُ، وقد تَقِلُّ، وقد تَكْثُرُ (١٠). فإن اخْتَلَفَا في قَدْرِ النَّفَقَةِ، فقال أبو الخَطَّابِ: يَرْجِعُ في القُوتِ إلى الإِطْعَامِ في الكَفَّارَةِ، وفى الكُسْوَةِ إلى أقَلّ مَلْبُوسِ مثلِه. فإن كان معه مالٌ لِنَفْسِه مع مالِ المُضَارَبةِ، أو كان معه مُضَارَبةٌ أُخْرَى، أو بِضَاعَةٌ لآخَرَ، فالنَّفَقَةُ على قَدْرِ المالَيْنِ، لأنَّ النَّفَقَةَ إنَّما كانت لأَجْلِ السَّفَرِ، والسَّفَرُ للمالَيْنِ، فيَجِبُ أن تكونَ النَّفَقَةُ مَقْسُومَةً على قَدْرِهِما، إلَّا أن يكونَ رَبُّ المالِ قد شَرَطَ له النَّفَقَةَ مع عِلْمِه بذلك. ولو أَذِنَ له في السَّفَرِ إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، أو غير مُعَيَّنٍ، ثم لَقِيَهُ رَبُّ المالِ في السَّفَرِ، إمَّا بذلك المَوْضِعِ، أو في غيره، وقد نَضَّ المالُ، فأخَذَ مالَه، فطَالَبه العامِلُ بِنَفَقَةِ الرُّجُوعِ إلى بَلَدِه، لم يَكُنْ له؛ لأنَّه إنما يَسْتَحِقُّ (١١) النَّفَقَةَ ما دَامَا في القِرَاضِ، وقد زَالَ، فزَالَتِ النَّفَقَةُ، ولذلك (١٢) لو مات لم يَجِبْ تَكْفِينُه. وقد قِيلَ: له ذلك؛ لأنَّه كان شَرَطَ له نَفَقَةَ ذَهَابِه ورُجُوعِه وغيرِه، بِتَسْفِيرِه إلى المَوْضِعِ الذي أَذِنَ له فيه، مُعْتَقِدًا أنَّه مُسْتَحِقٌّ لِلنَّفَقَةِ ذاهِبًا ورَاجِعًا، فإذا قَطَعَ عنه النَّفَقَةَ، تَضَرَّرَ بذلك.

فصل: وحُكْمُ المُضَارِبِ حُكْمُ الوَكِيلِ، في أنَّه ليس له أن يَبِيعَ بأَقَلَّ من ثَمَنِ المِثْلِ، ولا يَشْتَرِىَ بأكْثَرَ منه، ممَّا لا يَتَغَابَنُ الناسُ بمِثْلِه، فإن فَعَلَ، فقد رُوِىَ عن أحمدَ، أنَّ البَيْعَ يَصِحُّ (١٣)، ويَضْمَنُ النَّقْصَ؛ لأنَّ الضَّرَرَ يَنْجَبِرُ بضَمانِ النَّقْصِ. والقِيَاسُ أنَّ البَيْعَ باطِلٌ. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه بَيْعٌ لم يُؤْذَنْ له فيه، فأشْبَهَ بَيْعَ الأَجْنَبِىِّ. فعلى هذا، إن تَعَذَّرَ رَدُّ المَبِيعِ، ضَمِنَ النَّقْصَ أيضًا، وإن أمْكَنَ رَدُّه، وَجَبَ رَدُّه إن كان باقِيًا، أو قِيمَتُه إن كان تالِفًا، ولِرَبِّ المالِ مُطَالَبَةُ مَن شَاءَ من العامِلِ


(١٠) في م: "وتكثر".
(١١) في أ: "استحق".
(١٢) في الأصل: "وكذلك".
(١٣) في الأصل: "صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>