للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا وَصَّى بِوَصِيَّةٍ يَصِحُّ مِثْلُها من البالِغِ (٣)، صَحَّتْ منه، [ومالا] (٤) فلا. قال شُرَيْحٌ، وعبدُ اللَّه بن عُتْبَةَ، وهما قاضِيَانِ: مَنْ أصَابَ الحَقَّ أجَزْنَا وَصِيَّتَه.

فصل: فأما الطِّفْلُ، وهو مَنْ له دون السَّبْعِ، والمَجْنُونُ، والمُبَرْسَمُ، فلا وَصِيَّةَ لهم. وهذا قولُ أكْثَر أهْلِ العِلْمِ، منهم؛ حُمَيْدُ بن عبد الرحمنِ، ومالِكٌ، والأوْزاعِيُّ، والشافِعِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، ومَنْ تَبِعَهُم. ولا نَعْلَمُ أحدًا خالَفَهُم إلَّا إياسَ بن مُعَاوِيةَ، قال في الصَّبىِّ والمَجْنُونِ (٥): إذا وافَقَتْ وَصِيَّتُهُما (٦) الحَقَّ جازَتْ. وليس بِصَحِيحٍ؛ فإنَّه لا حُكْمَ لِكَلَامِهِما، ولا تَصِحُّ عِبَادَتُهُما، ولا شيءٌ من تَصَرُّفاتِهِما، فكذا الوَصِيَّةُ، بل أَوْلَى، فإنَّه إذا لم يَصِحَّ إسْلَامُه وصَلَاتُه التي هي مَحْضُ نَفْعٍ لا ضَرَرَ فيها، فَلأنْ لا يَصِحَّ بَذْلُه المالَ يَتَضَرَّرُ به وَارِثُه أَوْلَى، ولأنَّها تَصَرُّفٌ يَفْتَقِرُ إلى إِيجاب وقَبُولٍ، فلا يَصِحُّ منهما، كالبَيْعِ والهِبَةِ.

فصل: فأمَّا المَحْجُورُ عليه لِسَفَهٍ، فإنَّ وَصِيَّتَه تَصِحُّ، في قِيَاسِ قولِ أحمدَ. قال الْخَبْرِىُّ: وهو قولُ الأَكْثَرِينَ. وقال أبو الخَطّابِ: في وَصِيَّتِه وَجْهانِ. ولَنا، أنَّه عاقِلٌ تَصِحُّ وَصِيَّتُه، كالصَّبِىِّ العاقِلِ، ولأنَّ وَصِيَّتَه تَمَحَّضَتْ نَفْعًا له من غيرِ ضَرَرٍ، فصَحَّتْ كَعِبادَاتِه. وأمَّا الذي يُجَنُّ أحْيانًا، ويُفِيقُ أحْيانًا، فإنْ وَصَّى حالَ جُنُونِه لم تَصِحَّ، وإن وَصَّى في حالِ عَقْلِه صَحَّتْ وَصِيَّتُه؛ لأنَّه بمَنْزِلةِ العُقَلَاءِ في شَهَادَتِه، ووُجُوبِ العِبَادَةِ عليه، فكذلك في وَصِيَّتِه وتَصَرُّفاتِه. ولا تَصِحُّ وَصِيَّةُ السَّكْرانِ. وقال أبو بكرٍ: فيه قَوْلانِ. يعني وَجْهَيْنِ. ولَنا، أنَّه ليس بِعَاقِلٍ، فلا تَصِحُّ وَصِيَّتُه، كالمَجْنُونِ. وأمَّا إِيقاعُ طَلَاقِه، فإنَّما أَوْقَعَه مَنْ أَوْقَعَه تَغْلِيظًا عليه، لِارْتِكَابِه المَعْصِيَةَ، فلا يَتَعَدَّى هذا إلى وَصِيَّتِه؛ فإنَّه لا ضَرَرَ عليه فيها، إنَّما الضَّرَرُ على وَارِثِه. وأمَّا


(٣) في أ، م: "البائع".
(٤) في أ، م: "وإلا".
(٥) في م زيادة: "إلا".
(٦) في م: "وصيتهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>