للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصارَ فَذًّا، فَنَوَى الانْفِرَادَ عن الإِمامِ، فقياسُ المَذْهَبِ أنَّه يُتِمُّها جُمُعَةً؛ لأنَّه مُدْرِكٌ لِرَكْعَةٍ منها مع الإِمامِ، فيَبْنِى عليها جُمُعَةً، كما لو أدْرَكَ الرَّكْعةَ الثَّانيةَ. وإن لم يَنْوِ الانْفَرِادَ، وأتَمَّها مع الإِمامِ، ففيه رِوايَتَانِ: إحْدَاهما، لا تَصِحُّ؛ لأنَّه فَذٌّ في رَكْعَةٍ كامِلَةٍ، أَشْبَهَ ما لو فَعَلَ ذلك عَمْدًا. والثانيةُ، تَصِحُّ؛ لأنَّه قد يُعْفَى في البِنَاءِ عن تَكْمِيلِ الشُّرُوطِ، كما لو خَرَجَ الوَقْتُ وقد صَلَّوْا رَكْعَةً، وكالمَسْبُوقِ برَكْعَةٍ، يَقْضِى رَكْعَةً وَحْدَهُ.

٢٨٧ - مسألة؛ قال: (وَمَتَى دَخلَ وَقْتُ العَصْرِ، وقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، أَتَمُّوا بِرَكْعَةٍ أُخْرَى، وأَجْرأَتْهُمْ جُمُعَةً)

ظَاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ أنَّه لا يُدْرِكُ الجُمُعَةَ إلَّا بإدْرَاكِ رَكْعَةٍ في وَقْتِها، ومتى دَخَلَ وَقْتُ العَصْرِ قبلَ رَكْعَةٍ لم تَكُنْ جُمُعَةً. وقال القاضي: متى دَخَلَ وَقْتُ العَصْرِ بعد إحْرَامِه بها أتَمَّها جُمُعَةً. ونحوَ هذا قال أبو الخَطَّابِ؛ لأنَّه أحْرَمَ بها (١) في وَقْتِها، أَشْبَه ما لو أتَمَّها فيه. والمَنْصُوصُ عن أحمدَ أنَّه إذا دَخَلَ وَقْتُ العَصْرِ بعدَ تَشَهُّدِه وقبل سلامِه، سَلَّمَ وأجْزأتْهُ. وهذا قولُ أبى يوسفَ، ومحمدٍ. وظَاهِرُ هذا أنَّه متى دَخَلَ الوَقْتُ قبلَ ذلك، بَطَلَتْ أو انْقَلَبَتْ ظُهْرًا. وقال أبو حنيفةَ: إذا خَرَجَ وَقْتُ الجُمُعَةِ قبل فَرَاغِه منها، بَطَلَتْ، ولا يَبْنِى عليها ظُهْرًا، لأنَّهما صلاتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فلا يَبْنِى إحداهما على الأُخْرَى، كالظُّهْرِ والعَصْرِ. والظّاهِرُ أنَّ مذهبَ أبى حنيفةَ في هذا كما ذَكَرْنَا عن أحمدَ؛ لأنَّ السَّلَامَ عندَه ليْس من الصلاةِ. وقال الشَّافِعِىُّ: لا يُتِمُّها جُمُعَةً، ويَبْنِى عليها ظُهْرًا؛ لأنَّهما صلاتَا وَقْتٍ واحِدٍ، فجازَ بِنَاءُ إحْدَاهما على الأُخْرَى، كصلاةِ الحَضَرِ والسَّفَرِ. واحْتَجُّوا على أنَّه لا يُتِمُّها جُمُعَةً، بأنَّ ما كان شَرْطًا في بَعْضِها كان شَرْطًا في جَمِيعِها، كالطَّهارَةِ، وسَائِرِ الشُّرُوطِ. ولَنا، قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقْد أدْرَكَ


(١) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>