للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يَبْلُغَه الجُعْلُ لا يَسْتَحِقُّ شيئا، سواءٌ رَدَّها لِعِلَّةِ الجُعْلِ أو لغيرِه؛ لأنَّه إذا لم يَسْتَحِقَّه مع قَصْدِهِ إيَّاه، وعَمَلِه من أجْلِه، فَلأنْ لا يَسْتَحِقَّه مع عَدَمِ ذلك أَوْلَى. وإنَّما ذَكَرَ الخِرَقِىُّ رَدَّها لِعِلَّةِ الجُعْلِ، إن شاء اللَّه، لِيُنَبِّهَ به على عَدَمِ اسْتِحْقاقِه فيما إذا رَدَّها لغير عِلَّتِه، ولأن الحاجَةَ إنَّما تَدْعُو إلى مَعرِفةِ الحُكْمِ في من يُرِيدُ الجُعْلَ، أمَّا من تَرَكَه ولا يرِيدُه، فلا يَقَعُ التنازُعُ فيه غالِبًا. واللَّه أعلمُ.

٩٤٧ - مسألة؛ قال: (وَإنْ كَانَ الَّذِى وَجَدَ اللُّقَطَةَ سَفِيهًا أوْ طِفْلًا، قَامَ وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا، فَإنْ تَمَّتِ السَّنَةُ، ضَمَّهَا إلَى مَالِ وَاجِدِهَا)

وجملةُ ذلك أنَّ الصَّبِىَّ والمَجْنُونَ والسَّفِيهَ، إذا الْتَقَطَ أحَدُهُم لُقَطَةً، ثَبَتَتْ يَدُه عليها؛ لِعُمُومِ الأخْبارِ، ولأنَّ هذا تَكَسُّبٌ، فصَحَّ منه، كالاصْطِيادِ والاحْتِطابِ. وإن تَلِفَتْ في يَدِه بغيرِ تَفْرِيطٍ، فلا ضَمَانَ عليه؛ لأنَّه أخَذَ مالَهُ أخْذُه. وإن تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِه، ضَمِنَها في مالِه. وإذا عَلِمَ بها وَلِيُّه، لَزِمَهُ أخْذُها؛ لأنَّه ليس من أهْلِ الحِفْظِ والأمَانةِ، فإن تَرَكَها في يَدِه ضَمِنَها؛ لأنَّه يَلْزَمُه حِفْظُ ما يَتَعَلَّقُ به حَقُّ الصَّبِىِّ، وهذا يَتَعَلَّقُ به حَقُّه، فإذا تَرَكَها في يَدِه كان مُضَيِّعًا لها، وإذا أخَذَها الوَلِىُّ، عَرَّفَها؛ لأنَّ واجِدَها ليس من أهْلِ التَّعْرِيفِ، فإذا انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّعْرِيفِ، دَخَلَتْ في مِلْكِ واجِدِها؛ لأنَّ سَبَبَ المِلْكِ تَمَّ شَرْطُه، فيَثْبُتُ المِلْكُ له، كما لو اصْطادَ صَيْدًا. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ، إلَّا أنَّ أصْحابَه قالوا: إذا انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّعْرِيفِ، فكان الصَّبِىُّ والمَجْنُونُ بحيث يُسْتَقْرَضُ لهما، يَتَمَلَّكُه لهما، وإلَّا فلا. وقال بعضُهم: يَتَمَلَّكه لهما بكلِّ حالٍ؛ لأنَّ الظاهِرَ عَدَمُ ظُهُورِ (١) صاحِبِه، فيكونُ تَمَلُّكُه مَصْلَحةً (٢) له. ولَنا، عُمُومُ الأخْبارِ، ولو جَرَى هذا مَجْرَى الاقْتِراضِ (٣) لمَا صَحَّ الْتِقاطُ صَبِىٍّ لا يجوزُ الاقْتِراضُ له؛ لأنَّه يكونُ تَبَرُّعًا بِحِفْظِ مالِ غيرِه من غيرِ فائِدَةٍ.


(١) في الأصل: "رجوع".
(٢) في الأصل: "لمصلحة".
(٣) في الأصل: "الإقراض".

<<  <  ج: ص:  >  >>