للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: فأمَّا ما يَخْرُجُ عن مُصْحَفِ عثمانَ، كقراءَةِ ابْنِ مسعودٍ وغيرِها، فلا يَنْبَغِى أَنْ يقْرَأ بها في الصلاةِ؛ لأن القُرْآنَ ثَبَتَ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ، وهذه لم يَثْبُت التواتُرُ بها، فلا يثْبُتُ كَوْنُها قُرْآنًا، فإنْ قرأَ بشيءٍ منها ممَّا صَحَّتْ بهِ الرِّوايَةُ، واتَّصَلَ إسْنادُها، ففيه رِوَايَتان؛ إحْداهما، لا تَصِحُّ صلاتُه؛ لذلك. والثَّانِيَةُ، تَصِحُّ؛ لأنَّ الصحابَةَ كانوا يُصَلُّونَ بقراءَتِهِم في عصرِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وبعدَه، وكانت صلاتُهُمْ صحيحةً بغيرِ شكٍّ، وقد صح أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ (٩) ". وقد أَمَرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عمرَ وهِشَامَ بنَ حَكِيمٍ حين اخْتَلَفَا في قراءَةِ القرآنِ، فقال: "اقْرَءُوا كَمَا عُلِّمْتُمْ (١٠) ". وكان الصحابَةُ رَضِىَ اللهُ عنهُمْ قبلَ جَمْعِ عثمانَ المصحفَ يقْرأُونَ بقراآتٍ لم يُثْبِتْها في المصحفِ، ويصلُّونَ بها، لا يَرَى أحدٌ منهم تَحْرِيمَ ذلك، ولا بُطْلَانَ صلاتِهم به.

فصل: ولا تُكْرَهُ قراءةُ أواخرِ السُّوَرِ وأوْسَاطِها في إحدَى الرِّوايَتيْنِ. نَقَلَها عن أحمدَ جماعةٌ؛ لأنَّ أبا سعيدٍ، قالَ: أُمِرْنَا أن نَقْرأَ بفاتِحَةِ الكتابِ، وما تَيَسَّرَ. وعن أبي هُرَيْرةَ، قال: قال لِى رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اخْرُجْ، فَنَادِ في المَدِينَةِ، أنَّهُ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقُرْآنٍ، ولَوْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ (١١) " أخرَجهما أبو داوُد (١٢). وهذا يَدُلُّ على أنَّه لا يَتَعَيَّنُ الزِّيَادَةُ. ورُوِىَ عن ابنِ مسعودٍ، أنَّهُ كان


(٩) أخرجه ابن ماجه، في: باب في فضائل أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، من المقدمة. سنن ابن ماجه ١/ ٤٩. والإمام أحمد، في: المسند ١/ ٧، ٢٦، ٣٨، ٤٤٥، ٤٥٤.
(١٠) جمع موفق الدين هنا بين حديثين، حديث عبد اللَّه بن مسعود: تمارينا في سورة من القرآن. . . إلخ. والذي جاء فيه: ثم أسرَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى على شيئا، فقال لنا على: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمركم أن تقرأوا كما عُلِّمتم. وحديث عمر رضى اللَّه عنه: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . إلخ وفيه: ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسَّر منها". انظر: تفسير الطبري ١/ ٢٣ - ٢٥، وتخريج الحديثين في حاشيته.
(١١) في سنن أبي داود زيادة: "فما زاد".
(١٢) في: باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٨٨. والأول أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٣/ ٣، ٤٥، ٩٧، وأخرجه أيضًا البيهقي، في: باب الاقتصار على قراءة بعض السورة، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى ٢/ ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>