للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومتى أُعِيدَ الحَجْرُ عليه لِدُيُونٍ تَجَدَّدَتْ عليه، شَارَكَ غُرَمَاءُ الحَجْرِ الأوَّلِ غُرَمَاءَ الحَجْرِ الثَّاني، إلَّا أنَّ الأوَّلِينَ يَضْرِبُونَ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِم، والآخِريِنَ يَضْرِبُونَ بِجَمِيعِهَا. وبهذا قال الشَّافِعِيُّ. وقال مالِكٌ: لا يَدْخُلُ غُرَمَاءُ الحَجْرِ الأوَّلِ على هَؤُلَاءِ الذين تَجَدَّدَتْ حُقُوقُهُم، حتى يَسْتَوْفُوا، إلَّا أن تكونَ له فَائِدَةٌ من مِيرَاثٍ، أو يُجْنَى عليه جِنَايَةٌ، فيَتَحَاصُّ الغُرَمَاءُ فيه. ولَنا، أنَّهم تَسَاوَوْا في ثُبُوتِ حُقُوقِهم في ذِمَّتِه، فتَسَاوَوْا في الاسْتِحْقَاقِ، كالذين تَثْبُتُ حُقُوقُهم في حَجْرٍ واحِدٍ، وكتَسَاوِيهم في المِيرَاثِ وأرْشِ الجِنَايَةِ، ولأنَّ مَكْسَبَهُ مالٌ له، فَتَسَاوَوْا فيه، كالمِيرَاثِ.

٨٠٧ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ، فَذَكَرَ أنَّه مُعْسِرٌ بِهِ، حُبِسَ إلَى أنْ يَأتِيَ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِعُسْرَتِهِ)

وجملتُه أنَّ مَن وَجَبَ عليه دَيْنٌ حَالٌّ، فطُولِبَ به، ولم يُؤَدِّه، نَظَرَ الحاكِمُ؛ فإن كان في يَدِه مَالٌ ظَاهِرٌ أمَرَهُ بالقَضَاءِ، فإن ذَكَرَ أنَّه لِغَيْرِه، فقد ذَكَرْنَا حُكْمَهُ في الفَصْلِ الذي قبلَ هذا، وإن لم يَجِدْ له مَالًا ظَاهِرًا، فَادَّعَى الإعْسَارَ، فصَدَّقَهُ غَرِيمُه، لم يُحْبَسْ، ووجَبَ إنْظَارُه، ولم تَجُزْ مُلَازَمَتُه، لقولِ اللهِ تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (١). ولقولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِغُرَمَاءِ الذي كَثُرَ دَيْنُه: "خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذلِكَ" (٢). ولأن الحَبْسَ إما أن يكونَ لإثْبَاتِ عُسْرَتِه أو لِقَضَاءِ دَيْنِه، وعُسْرَتُه ثَابِتَةٌ، والقَضَاءُ مُتَعَذِّرٌ، فلا فَائِدَةَ في الحَبْسِ. وإن كَذَّبَهُ غَرِيمُه فلا يَخْلُو، إمَّا أن يكونَ عُرِفَ له مالٌ أو لم يُعْرَفْ، فإن عُرِفَ له مَالٌ لكَوْنِ الدَّيْنِ ثَبَتَ عن مُعَاوَضَةٍ، كالقَرْضِ والبَيْعِ، أو عُرِفَ له أصْلُ مَالٍ سِوَى هذا، فالقولُ قولُ غَرِيمِه مع يَمِينِه. فإذا حَلَفَ أنَّه ذو مَالٍ، حُبِسَ حتى


(١) سورة البقرة ٢٨٠.
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٥٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>