للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَجَّتُه؛ فإنَّ أُعْتِقَ بِجَمْعٍ (٥)، لم تُجْزِئْ عنه. وهؤلاء يقولون: لا تُجْزِئُ. ومالِكٌ يقولُه أيضًا، كيف لا يُجْزِئه، وهو لو أحْرَمَ تلك السَّاعَةَ كان حَجُّهُ تَامًّا! وما أعْلَمُ أحَدًا قال لا يُجْزِئُه إلَّا هؤلاء. والحُكْمُ فيما إذا أُعْتِقَ العَبْدُ وبَلَغَ الصَّبِىُّ بعدَ خُرُوجِهِما من عَرَفَةَ، فعَادَا إليها قبلَ طُلُوعِ الفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ، كالحُكْمِ فيما إذا كان ذلك فيها؛ لأنَّهما قد أَدْرَكا من الوَقْتِ ما يُجْزِئُ ولو كان لَحْظَةً. وإن لم يَعُودَا، أو كان ذلك قبلَ طُلُوعِ الفَجْرِ من يَوْمِ النَّحْرِ، لم يُجْزِئْهما عن حَجَّةِ الإسلامِ، ويُتِمَّانِ حَجَّهما تَطَوُّعًا؛ لِفَوَاتِ الوُقُوفِ المَفْرُوضِ، ولا دَمَ عليهما؛ لأنَّهما حَجَّا تَطَوُّعًا بإِحْرَامٍ صَحِيحٍ من المِيقَاتِ، فأشْبَها البالِغَ الذى يَحُجُّ تَطَوُّعًا. فإن قيل فلم لا قُلْتُم: إنَّ الوُقُوفَ الذى (٦) فَعَلاهُ يَصِيرُ فَرْضًا، كما قُلْتُم فى الإحْرامِ الذى أحْرَمَ به قبلَ البُلُوغِ يَصِيرُ بعد بُلُوغِه فَرْضًا؟ قُلْنا: إنَّما اعْتَدَدْنَا له بإحْرَامِه المَوْجُودِ بعدَ بُلُوغِه، وما قَبْلَه (٧) تَطَوُّعٌ لم يَنْقَلِبْ فَرْضًا، ولا اعْتُدَّ له به، فالوُقُوفُ مثلُه، فنَظِيرُه أن يَبْلُغَ وهو واقِفٌ بِعَرفَةَ، فإنَّه يُعْتَدُّ له بما أدْرَكَ من الوُقُوفِ، ويَصِير فَرْضًا دُونَ ما مَضَى.

فصل: وإذا بَلَغَ الصَّبِىُّ، أو عَتَقَ العَبْدُ قبلَ الوُقُوفِ، أو فى وَقْتِه، وأمْكَنَهما الإِتْيانُ بالحَجِّ، لَزِمَهُما ذلك؛ لأنَّ الحَجَّ وَاجِبٌ على الفَوْرِ، فلا يجوزُ تَأْخِيرُه مع إمْكانِه، كالبَالِغِ الحُرِّ. وإن فاتَهما الحَجُّ، لَزِمَتْهما العُمْرَةُ؛ لأنَّها واجِبَةٌ أمْكَنَ فِعْلُها، فأشْبَهَتِ الحَجَّ، ومتى أمْكَنَهُما ذلك فلم يَفْعَلَا، اسْتَقَرَّ الوُجُوبُ عليهما، سَوَاءٌ كانا مُوسِرَيْنِ أو مُعْسِرَيْنِ؛ لأنَّ ذلك وَجَبَ عليهما بإمْكانِه فى مَوْضِعِه، فلم يَسْقُطْ بِفَواتِ القُدْرَةِ بعدَه.


(٥) جمع: هى المزدلفة.
(٦) فى م: "إذا".
(٧) فى م: "قبل بلوغه".

<<  <  ج: ص:  >  >>