للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَمَلُ على حَدِيثِ عائِشَةَ. وفيه أنَّهُ تَوَضَّأَ للصَّلَاةِ قبلَ اغْتِسَالِهِ. وقال في مَوْضِعٍ: غَسْلُ رِجْلَيْهِ في موضعِهِ وبعده وقبلهُ، سَوَاءٌ. ولعله ذَهَبَ إلى أنَّ اخْتِلَافَ الأحاديثِ فيه يَدُلُّ على أنَّ مَوْضِعَ الغَسْلِ ليس بمَقْصُودٍ، وإنَّما المَقْصُودُ أَصْلُ الغَسْلِ، واللهُ تعالى أعلمُ.

٥٩ - مسألة؛ قال: (وإنْ غَسَلَ مَرَّةً، وعَمَّ بالماءِ رَأْسَهُ وجَسَدَهُ, ولَمْ يَتَوضَّأْ، أَجْزَأَهُ، بَعْدَ أنْ يَتَمَضْمَضَ ويَسْتَنْشِقَ ويَنْوِىَ بهِ الغُسْلَ والوُضُوءَ، وكانَ تارِكًا لِلاِخْتِيَارِ)

هذا المذكورُ صِفَةُ الإِجْزاءِ، والأَوَّلُ هو المُخْتَارُ؛ ولذلك قال: "وكان تَارِكًا للاخْتِيار". يَعْنِى إذا اقْتَصَرَ على هذا أجْزَأَهُ مَعَ تَرْكِهِ للأَفْضَلِ والأَوْلَى. وقَوْلهُ: "ويَنْوِىَ بهِ الغُسْلَ والوُضُوءَ". يَعْنِى أنَّهُ يُجْزِئُه الغُسْلُ عَنهما إذا نَوَاهُما. نَصَّ عليه أحمدُ، وعنه رِوَايةٌ أُخْرَى: لا يُجْزِئُهُ الغُسْلُ عَن الوُضُوءِ، حتى يَأْتِىَ به قَبْلَ الغُسْلِ أو بعدَه. وهو أحَدُ قَوْلَى الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَعَلَ ذلك، ولأنَّ الجَنَابَةَ والحَدَثَ وُجِدَا منه، فوَجَبَتْ لهما الطَّهَارَتَانِ، كما لو كانا مُفْرَدَيْن (١). ولنا؛ قَوْلُ اللهِ تَعالَى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (٢). جَعَلَ الغُسْلَ غايةً لِلْمَنْعِ مِن الصَّلَاةِ، فإذا اغْتَسَلَ يَجِبُ أنْ لا يُمْنَعَ منها، ولأنَّهما عبادتان مِنْ جِنْسٍ واحدٍ (٣)، فتَدْخُلُ الصُّغْرَى في الكُبْرَى، كالعُمْرَةِ في الحَجِّ. قال ابنُ عبدِ البَّرِّ: (٤) المُغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ إذا لم يتوَضَّأْ وعَمَّ جَمِيعَ جَسَدِه، فقد أدَّى ما عليه؛ لأنَّ اللهَ تعالى إنَّمَا افْتَرَضَ على الجُنُبِ الغُسْلَ مِنَ الجَنَابَةِ، دُونَ الوُضُوءِ، بقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (٥). وهو إجْمَاعٌ لا خِلَافَ فِيهِ بين العُلَمَاءِ، إلَّا أنَّهم أجْمَعُوا على اسْتِحْبَابِ الوُضُوءِ قَبْلَ الغُسْلِ،


(١) في م: "منفردين".
(٢) سورة النساء ٤٣.
(٣) سقط من: الأصل.
(٤) انظر: الاستذكار ١/ ٣٢٧، ٣٢٨.
(٥) سورة المائدة. ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>