للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوَّلِ، متى عَرَضَتْ لهؤلاء حُكومةٌ، حَكَمَ بينَهم الإِمامُ، أو حاكمٌ آخَرُ، أو بعضُ خُلَفائِه، فإن كانتِ الخُصومةُ بين والديْه، أو وَلَدَيْه، أو والدِه وولَدِه، لم يجُز له الحكمُ بينهما، على أحدِ الوَجْهَينِ، لأنَّه لا تُقْبَلُ شهادتُه لأحدِهما على الآخَرِ، فلم يَجُز الحكمُ بينهما، كما لو كان خَصْمُه أجْنَبيًّا. وفى الآخرِ، يجوزُ. وهو قولُ بعض أصحابِ الشَّافعىِّ؛ لأنَّهما (٤٤) سواءٌ عندَه، فارْتفعَتْ تُهْمَةُ المَيْلِ، فأشْبَهَا الأجْنَبِيَّيْنِ.

فصل: وإذا تحاكَمَ رجلان إلى رجلٍ حكَّماه بينهما ورَضِيَاه، وكان ممَّن يَصْلُحُ للقضاءِ، فحَكَمَ بينهما، جاز ذلك، ونفَذَ حُكْمُه عليهما. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وللشَّافعىِّ قَوْلان؛ أحدهما، لا يَلْزَمُهما حُكمُه إلَّا بتَراضِيهِما؛ لأنَّ حُكْمَه إنَّما يَلْزَمُ بالرِّضا به، ولا يكونُ الرِّضَى إلَّا بعدَ المَعْرفةِ بحُكْمِه. ولَنا، ما روَى أبو شُرَيْحٍ، أنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "إنَّ اللهَ هُوَ الحَكَمُ، فلِمَ تُكَنَّى أَبَا الحَكَمِ؟ " قال: إنَّ قَوْمِى إذا اخْتَلفوا فى شىءٍ أتُوْنى، فحكَمْتُ بينهم، فرَضِىَ (٤٥) علىَّ الفَريقان. قال: "مَا أَحسَنَ هَذَا، فَمَنْ أكبَرُ وَلَدِكَ؟ " قال: شُرَيْحٌ. قال: "فَأنْتَ أبُو شُرَيْحٍ". أخْرَجَه النَّسائىُّ (٤٦). ورُوِىَ عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه (٤٧) قال: "مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَرَاضَيَا بِهِ، فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ مَلْعُونٌ" (٤٨). ولولا أنَّ حُكمَه يَلْزَمُهما، لَما لَحِقَه هذا الذَّمُّ (٤٩)، ولأن عُمرَ وأُبيًّا تحاكَما إلى زيدٍ، وحاكمَ عمرُ أعْرَابِيًّا إلى شُريْحٍ قبلَ أنْ يُوَلِّيَه، وتحاكمَ عُثمانُ وطلحةُ إلى جُبيرِ بنِ مُطْعِمٍ، ولم يكونوا قُضاةً. فإن قيل: فعمرُ وعثمانُ كانا إمامَيْنِ، فإذا رَدَّا الحُكمَ إلى رجلٍ صارَ قاضِيًا. قُلْنا: لم يُنْقَلْ عنهما إلَّا الرِّضَى بتَحْكيمِه خاصَّةً، وبهذا لا يَصِيرُ قاضِيًا، وما ذكَروه يَبْطُلُ بما إذا رَضِىَ بتَصَرُّفِ وَكيله، فإنَّه يَلْزَمُه قبلَ المَعرفةِ به.


(٤٤) فى ب، م: "لأنَّها".
(٤٥) فى م: "ورضى".
(٤٦) فى: باب إذا حكموا رجلا فقضى بينهم، من كتاب الأدب. المجتبى ٢/ ٥٨٥.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى تغيير الاسم القبيح، من كتاب الأدب. سنن أبى داود ٢/ ٥٨٥.
(٤٧) سقط من: م.
(٤٨) انظر: تلخيص الحبير ٤/ ١٨٥، حيث ذكر ابن حجر، أن ابن الجوزى ذكره فى التحقيق.
(٤٩) فى ب: "اللوم".

<<  <  ج: ص:  >  >>