للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّه مأخوذٌ مِنَ الكَلْمِ، وهو الجَرْحُ؛ لأنَّه يُؤَثِّرُ فيه كتأثيرِ الجَرْحِ، ولا يَكونُ ذلك إلَّا بإسْماعِه، فأمَّا تكْليمُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَوْتَى، فمِن مُعْجِزَاتِه (٤٩)، فإنَّه قال: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ". ولم يَثبُتْ هذا لغيرِه، وقولُ أصحابِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: كيف تُكلمُ أجسادًا لا أرْواحَ فيها؟ حُجَّةٌ لنا، فإنَّهم قالوا ذلك اسْتِبْعادًا، أو سؤالًا عمَّا خَفِىَ عنهم سَببُه وحِكْمتُه (٥٠)، حتى كَشَفَ لهم النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حِكْمةَ ذلك بأمْرٍ مُخْتَصٍّ به، فيَبْقَى الأمرُ فى حقِّ مَنْ سِواهُ على النَّفْىِ. وَإِنْ حَلَفَ: لا كَلَّمْتِ فُلانًا. فكلَّمَتْه سَكْرانَ، حَنِثَ؛ لأنَّ السَّكرانَ يُكَلَّمُ ويَحْنَثُ، وربَّما كان تَكْليمُه فى حالِ سُكْرِه أضَرَّ من تكْليمِه فى صَحْوِه، وإن كلّمَتْه سَكْرانةً، حَنِث؛ لأنَّ حُكْمَها حُكْمُ الصَّاحِى، وإن كلَّمَتْه، وهو صَبِىٌّ أو مجنونٌ يَسْمَعُ (٥١)، ويَعلمُ أَنَّهُ مُكَلَّمُ حَنِثَ. وإن جُنَّتْ هى، ثم كلَّمَتْه، لم يَحْنَثْ؛ لأنَّ القلَمَ مَرْفوعٌ عنها، ولم يَبْقَ لكلامِها حُكْمٌ.

فصل: فإن حَلَفَ لا يُكلِّمُ إنْسانًا، فكلّمَه بحيثُ يَسْمَعُ، فلم يَسمَعْ لتَشَاغُلِه أو غَفْلتِه، حَنِثَ؛ لأنَّه كلَّمَه، وإنما لم يَسمَعْ لغَفْلتِه، أو شُغْلِ قلبِه. وإن كلَّمَه، ولم يَعرِفْه؛ فإن كانتْ يَمينُه بالطَّلاقِ، حَنِثَ. قال أحمدُ، فى رجلٍ حَلَفَ بالطَّلاقِ، أَنْ لا يُكلِّمَ حَماتَه، فرآها بالليلِ، فقال: مَنْ هذا؟ : حَنِثَ، قد كلَّمَها. وإن كانت يَمينُه باللَّهِ تعالى، أو يَمِينًا مُكَفَّرَةً، فالصَّحيحُ أنَّه لا يَحْنَثُ؛ لأنَّه لم يَقْصِدْ تكْليمَه، فأشْبَهَ النَّاسِىَ، ولأنَّه ظَنَّ المحْلوفَ عليه غيرَه، فأشْبَهَ لَغْوَ اليمينِ. وإن سَلَّمَ عليه، حَنِثَ؛ لأنَّه كلَّمَه بالسَّلامِ. وإن سلَّمَ على جماعةٍ هو فيهم، وأرادَ جميعَهم بالسَّلامِ، حَنِثَ؛


= المغازى. صحيح البخارى ٢/ ١٢٢، ٥/ ٩٧. ومسلم، فى: باب عرض مقعد الميت. .، من كتاب الجنة. صحيح مسلم ٤/ ٢٢٠٣.
كما أخرجه النسائى، فى: باب أرواح المؤمنين، من كتاب الجنائز. المجتبى ٤/ ٩٠. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ١٣١.
(٤٩) فى أ، ب، م: "معجزته".
(٥٠) فى الأصل: "وحكمه".
(٥١) فى ب زيادة: "كلامها".

<<  <  ج: ص:  >  >>