للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعْيِينِه، بخلافِ اليَمِينِ. فأمَّا إِنْ نَوَى بيَمِينِه المُباشَرَةَ للمَحْلوفِ عليه، أو كان سبَبُ يَمِينه يَقْتَضِيها، أو قرينَةُ حالِه، تَخَصَّصَ بها؛ لأَنَّ إطْلاقَه يُقَيَّدُ بنيَّتِه، أو بما دَلَّ عليها، فأشْبَهَ ما لو صَرَّحَ به بلَفْظِه. وإِنْ حَلَفَ ليَشْتَرِيَنَّ، أو لِيَبيعَنَّ، أو ليَضْرِبَنَّ، فوكَّلَ مَنْ فعلَ ذلك، بَرَّ؛ لما ذكرْنا فى طَرَفِ النَّفْىِ، ولذلك لمَّا قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رَحِمَ اللَّهُ المُحَلِّقِينَ" (٩). تناوَل مَنْ حُلِقَ رَأْسُه بأَمْرِه.

فصل: وإِنْ حَلَفَ لَيُطَلِّقَنَّ زَوْجَتَه، أو لا يُطَلِّقُها، فَوَكَّلَ مَنْ طَلَّقَها، أو قال لها: طَلِّقِى نَفْسَكِ. فَطَلَّقَها، أو قال لها (١٠): اخْتارِى، أو أمْرُكِ بِيَدِك. فَطَلَّقَتْ نَفْسَها، بَرَّ، وحَنِثَ. والخِلافُ فيه على ما تَقَدَّمَ. وإِنْ قال: أنْتِ طالِقٌ إِنْ شِئْتِ، أو إِنْ قمْتِ. فشاءَتْ، أو قامَتْ، حَنِثَ. بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّ الطَّلاقَ منه، وإنَّما هى حَقَّقَتْ شَرْطَه.

فصل: وإن حَلَفَ لا يَضْرِبُ امْرَأتَه، فلَطمَها، أو لَكَمَها، أو ضَرَبَها بعَصًا أو غيرِها (١١)، حَنِثَ. بغيرِ خِلافٍ. وإِنْ عَضَّها، أو خَنَقَها، أو جَزَّ شَعْرَها جَزَّا يُؤْلِمُها، قاصِدًا للإِضرارِ بها، حَنِثَ. وبه قال أبو حنيفةَ. وقال الشافِعِىُّ: لا يَحْنَثُ؛ لأنَّ ذلك لا يُسَمَّى ضَرْبًا، فلا يَحْنَثُ به، كما لو شَتَمَها شَتْمًا آلمَها. وقد نُقِلَ عن أحمدَ ما يدُلُّ على هذا؛ فإِنَّ مُهَنَّا نَقَلَ عنه، فى مَن قال لا مْرَأَتِه: إِنْ لم أضْرِبْكِ اليومَ، فأَنْتِ طالِقٌ. فعَضَّها، أو قَرَصَها، أو أَمْسَكَ شَعْرَها، فهو على ما نَوَى من ذلك. قال القاضى: فظاهِرُ هذا أنَّه لم يُدْخِلْه فى إِطْلاقِ اسمِ الضَّرْبِ. ولَنا، أَنَّ هذا فى العُرْفِ يُسْتَعْمَلُ لكَفِّ الأَذَى المُؤْلمِ للجسمِ، فيَدْخُلُ فيه كُلُّ ما اخْتَلَفْنا فيه، ولهذا يُقال: تَضارَبا. إذا فَعَلَ كُلُّ واحِدٍ منهما هذا بصاحِبِه، وإِنْ لم يكُنْ معهما آلة، وفارق الشَّتْمَ؛ فإنَّه لا يُؤْلِمُ الجِسْمَ، وإنّما يُؤْلمُ القَلْبَ.


(٩) تقدم تخريجه، فى: ٥/ ٣٠٣، ٣٠٤.
(١٠) سقط من: أ، ب.
(١١) فى ب: "بغيرها".

<<  <  ج: ص:  >  >>