للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

داوُدُ، فقال: لا يَثْبُتُ الخِيارُ بِتَصْرِيَةِ البَقَرَةِ، لأنَّ الحَدِيثَ: "لَا تُصَرُّوا الْإبِلَ والغَنَمَ" (١). فدَلَّ على أنَّ ما عَداهُما بِخِلافِهِما، ولأنَّ الحُكْمَ ثَبَتَ فيهما بالنَّصِّ، والقِيَاسُ لا تَثْبُتُ به الأحْكامُ. ولَنا، عُمُومُ قولِه: "مَن اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُو بالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ" (٢). وفي حَدِيثِ ابن عمرَ: "مَن ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً" (٢). ولم يُفَصِّلْ، ولأنَّه تَصْرِيَةٌ بِلَبَنٍ من بَهِيمَةِ الأنْعامِ، أشْبَه الإبِلَ والغَنَمَ، والخَبَرُ فيه تَنْبِيهٌ على تَصْرِيَةِ البَقَرِ؛ لأنَّ لَبَنَها أغْزَرُ وأكْثَرُ نَفْعًا. وقولهم: إنَّ الأحْكامَ لا تَثْبُتُ بالقِياسِ. مَمْنُوعٌ. ثم هو هاهُنا ثَبَتَ بِالتَّنبِيهِ، وهو حُجَّةٌ عند الجَمِيعِ.

فصل: إذا اشْتَرَى مُصَرَّاتَيْنِ أو أكْثَرَ في عَقْدٍ واحِدٍ، فرَدَّهُنَّ، رَدَّ مع كلِّ مُصَرَّاةٍ صاعًا. وبهذا قال الشَّافِعِيُّ، وبعضُ أصْحابِ مالِكٍ. وقال بعضُهم: في الجِمِيعِ صاعٌ واحِدٌ، لأنَّ رسولَ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قال: "مَن اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فاحْتَلَبَها فإنْ رَضِيَها أمْسَكَها، وإنْ سَخِطَهَا ففى حَلْبَتِها صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ" (٣). ولنا، عُمُومُ (٤) قوله: "مَن اشْتَرَى مُصَرَّاةً" و "من اشْتَرَى مُحَفَّلَةً". وهذا يَتَناولُ الواحِدَةَ. ولأنَّ ما جُعِلَ عِوَضًا عن الشىءِ في صَفْقَتَيْنِ، وَجَبَ إذا كان في صَفْقَةٍ واحِدَةٍ، كأرْشِ العَيْبِ، وأمَّا الحَدِيثُ فإنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلى الواحِدَةِ.

فصل: فإن اشْتَرَى مُصَرَّاةً من غيرِ بَهِيمَةِ الأنْعامِ، كالأمَةِ والأتانِ والفَرَسِ، ففيه وَجْهانِ، أحدُهما، يَثْبُتُ له الخِيارُ، اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وهو ظاهِرُ مذهبِ الشَّافِعِيِّ، لِعُمُومِ قولِه: "مَن اشْتَرَى مُصَرَّاةً " و "من اشْتَرَى مُحَفَّلَةً". ولأنَّه تَصْرِيَةٌ بما يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ به، فأثْبَتَ الخِيارَ، كَتَصْرِيَةِ بَهِيمَةِ الأنْعامِ، وذلك أنَّ


(١) تقدم تخريجه في صفحة ٢١٥.
(٢) تقدم التخريج في صفحة ٢١٦.
(٣) انظر مواضع التخريج في صفحة ٢١٨
(٤) سقط من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>