للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان قبلَ التَّيَمُّمِ، إن كان جُنُبًا، أوْ مُحْدِثًا، أو امْرَأةً حائِضًا، ولو رَفَعَ الحَدَثَ لَاسْتَوَى الجَمِيعُ؛ لاسْتِوَائِهِم في الوِجْدَانِ، ولأنَّها طهارةُ ضَرُورَةٍ، فلم تَرْفَع الحَدَثَ كطهارةِ المُسْتَحَاضَةِ، وبهذا فارَقَ الماءَ.

إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه إنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ فَرِيضَةً، فله أنْ يُصَلِّىَ ما شاء مِنَ الفَرْضِ والنَّفْلِ، سواءٌ نَوَى فَرِيضَةً مُعَيَّنَةً أو مُطْلَقَةً. فإنْ نَوَى نَفْلًا أو صلاة مُطْلَقَةً، لم يَجُزْ أنْ يُصَلِّىَ به إلَّا نَافِلَةً. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وقال أبو حَنِيفة: له أنْ يُصَلِّىَ ما شاءَ؛ لأنَّها طَهَارَةٌ يَصِحُّ بها النَّفْلُ، فصَحَّ بها الفَرْضُ، كطهارةِ الماءِ. ولَنا، قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما [لِكُلِّ امْرِىءٍ] (٣) مَا نَوَى". وهذا [ما نَوَى] (٤) الفَرْضَ، فلا يكونُ له، وفارق طهارةَ الماءِ؛ لأنَّها تَرْفَعُ الحَدَثَ المانِعَ مِنْ فِعْلِ الصلاةِ، فيُبَاحُ له جميعُ ما يَمْنَعُه الحَدَثُ. ولا يَلْزَمُ اسْتِبَاحَةُ النَّفْلِ بِنِيَّةِ الفَرْضِ؛ لأنَّ الفَرْضَ أعْلَى ما في البابِ، فَنِيَّتُه تَضَمَّنَتْ نِيَّةَ ما دُونَه، وإذا اسْتَبَاحَهُ اسْتَبَاحَ ما دُونَه تَبَعًا.

فصل: إذا نَوَى الفَرْضَ اسْتَبَاحَ كُلَّ ما يُبَاحُ بالتَّيَمُّمِ مِنَ النَّفْلِ، قَبْلَ الفَرْضِ وبعدَه، وقِرَاءَةِ، القُرْآنِ، ومَسِّ المُصْحَفِ، واللُّبْثِ في المَسْجِدِ. وبهذا قال الشَّافِعِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْى. وقال مالِكٌ: لا يتَطَوَّعُ قبلَ الفَرِيضَةِ بِصلاةٍ غيرِ رَاتِبَةٍ. وحُكِىَ نَحْوُه عن أحمد؛ لأنَّ النَّفْلَ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ، فلا يَتَقَدَّمُ المَتْبُوعَ. ولَنا، أنَّه تَطَوُّعٌ، فَأُبِيحَ له فِعْلُه إذا نَوَى الفَرْضَ، كالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وكما بَعْدَ الفَرْضِ. وقوله: إنَّه تَبَعٌ. قُلْنا: إنَّما هو تَبَعٌ في الاسْتِباحةِ، لا في الفعلِ، كالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، وقِراءةِ القُرْآنِ، وغيرِهما. وإنْ نَوَى نافِلَةً أُبِيحَتْ له، وأُبِيحَ له قِراءةُ القُرْآنِ، ومَسُّ المُصْحَفِ، والطَّوَافُ؛ لأنَّ النَّافِلَةَ آكَدُ مِن ذلك كُلِّه؛ لأنَّ الطَّهَارَتَيْنِ مُشْتَرطتان لها بالإِجْماعِ، وفى اشْتِراطِهما لِمَا سِواها خِلافٌ، فيَدْخُلُ الأدْنَى في الأعْلَى، كدُخُولِ النَّافِلةِ في الفَرِيضَةِ، ولأنَّ النَّفْلَ يشْتَمِلُ على قِراءةِ القُرآنِ، فَنِيَّةُ النَّفْلِ


(٣) في الأصل: "لامرىء". وتقدم.
(٤) في م: "لم ينوى".

<<  <  ج: ص:  >  >>