للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَمَسَها في الماءِ يَنْوِى غَسْلَها فيه. ولنا أنَّ في حدِيثِ عبدِ اللَّه بنِ زَيْدٍ (١٥) في صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه دَعَا بماءٍ، فذَكَرَ وُضُوءَهُ - إلى أن قال - وغَسَلَ وَجْهَه ثَلاثًا، ثم أَدْخَلَ يَدَهُ فاسْتَخْرَجَها، وغَسَلَ يَدَيْه إلى المِرْفَقَيْن، مَرَّتَيْن. وفى حَدِيث عُثْمان (١٦): ثم غَرَفَ بيدِه اليُمْنَى فصَبَّ (١٧) على ذِرَاعِه اليُمْنَى، فغَسَلَها إلى المِرْفَقَيْن ثَلاثًا، ثم غَرَفَ بيَمِينِه فغَسَلَ يَدَهُ اليُسْرَى. رَوَاهُما سَعِيدٌ. وحَدِيثُ عَبْدِ اللَّه بنِ زَيْدٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وغيرُه، وكُلُّ مَنْ حَكَى وُضُوءَ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يَحْكِ أنه تَحَرَّزَ من اغْتِرافِ الماءِ بيدِهِ في مَوْضِعِ غَسْلِها، ولو كان هذا يُفْسِدُ الماءَ كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أحَقَّ بمَعْرِفَتِه، ولوَجَب عليه بَيانُه لِمَسِيسِ الحاجةِ إليه، إذ كان هذا لا يُعْرَفُ بدونِ البَيانِ، ولا يَتَوَقَّاهُ إلَّا مُتَحَذْلِقٌ، وما ذَكَرَه لا يَصِحُّ؛ لأنَّ المُغْتَرِفَ لَمْ يَقْصِدْ بغَمْسِ يَدِه إلَّا الاغْتِرافَ دُونَ غَسْلِها، فأشْبَه مَنْ يَغُوصُ في البِئْرِ لِتَرْقِيَةِ الدَّلْوِ وعليه جَنابَةٌ لا يَقْصِدُ غيرَ تَرْقِيَتِهِ، ونِيَّةُ الاغْتِرافِ عارَضَتْ نِيَّةَ الطَّهارةِ فصَرَفَتْها. واللَّه أعلمُ.

٢٨ - مسألة، قال: (ومَسْحُ الرَّأْسِ)

لا خِلافَ في وُجُوبِ مَسْحِ الرَّأْسِ، وقد نَصَّ اللهُ تعالَى عليهِ بقولِه: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (١). واخْتُلِفَ في قَدْرِ الوَاجِبِ؛ فرُوِىَ عن أَحْمدَ وُجُوبُ مَسْحِ جَمِيعهِ في حَقِّ كُلِّ أحَدٍ. وهو ظاهِرُ قَوْلِ (٢) الخِرَقِىّ، ومَذْهَبُ مالِك. ورُوِىَ عن أحمد: يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِه. قال أبُو الحارِث: قُلتُ لأَحْمدَ: فإنْ مَسَحَ برَأسِه وتَرَك بَعْضَه؟ قال: يُجْزِئُه. ثم قال: ومَنْ يُمْكِنُه أن يَأْتِىَ علَى الرَّأْسِ كُلِّه! وقد نُقِلَ عن سَلَمةَ بن الأَكْوَع، أنه كان يَمْسَح مُقَدَّمَ رَأْسِه، وابنُ عُمَرَ مَسَح اليَافُوخَ. ومِمَّنْ قال بمَسْحِ البَعْض الحَسَنُ، والثَّوْرِىُّ، والأَوْزَاعِىُّ، والشافِعِىُّ، وأصحابُ الرَّأىِ، إلَّا


(١٥) تقدم في صفحة ١٧٠.
(١٦) تقدم في صفحة ١٦٩.
(١٧) سقط من: الأصل.
(١) سورة المائدة ٦.
(٢) في م: "كلام".

<<  <  ج: ص:  >  >>