للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الظَّاهِرَ عن أحمد، رحمه اللَّه، في حَقِّ الرَّجُلِ، وُجُوبُ الاسْتيعابِ، وأنَّ المَرْأةَ يُجْزِئُها مَسْحُ مُقَدَّمِ رَأْسِها. قال الخَلَّالُ: العَمَلُ في مَذْهَبِ أحْمدَ أبى عبد اللَّه أنَّها إن مَسَحَتْ مُقَدَّمَ رَأْسِها أجْزَأَهَا. وقال مُهَنَّا: قال أحمدُ: أرْجُو أن تكونَ المرأةُ في مَسْحِ الرأسِ أَسْهَلَ. قلتُ له: ولِمَ؟ قال: كانت عائشةُ تَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِها (٣). واحْتَجَّ مَنْ أجازَ مَسْحَ البَعْضِ بأنَّ المُغِيرَةَ بن شُعْبةَ، رَوَى أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَسَحَ بِنَاصِيَتِه وعِمَامَتِه (٤). وأن عُثْمانَ مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِه بيَدِهِ مَرَّةً واحدةً ولمْ يَسْتَأْنِفْ له ماءً جَدِيدًا، حين حَكَى وُضُوءَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (٥). رَوَاه سَعِيد؛ ولأنَّ مَنْ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِه يُقالُ: مَسَحَ بِرَأْسِه، كما يُقالُ: مَسَحَ بِرَأْسِ اليَتِيمِ وقَبَّلَ رَأْسَه.

وزَعَمَ بعضُ من يَنْصُرُ ذلك أن الباءَ للتَّبْعِيضِ، فكأنه قال: وامْسَحُوا بَعْضَ رُءُوسِكُم، ولنا قَوْلُ اللهِ تعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}، والباءُ للإِلْصاقِ، فكأَنَّهُ قال: وَامْسَحُوا رُءُوسَكُم. فيَتَناوَلُ الجَمِيعَ. كما قال في التَّيَمُّمِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}. وقَوْلُهُم: الباءُ للتَّبْعِيضِ غيرُ صَحِيحٍ، ولا يَعْرِفُ أَهْلُ العَرَبِيَّة ذلك، قال ابنُ بَرْهان (٦): مَنْ زَعَم أن الباءَ تُفِيدُ التَّبْعِيضَ فقد جاء أهلَ اللُّغَةِ بما لا يَعْرِفُونَه (٧). وحَدِيثُ المُغِيرَة يَدُلُّ عَلَى جَوازِ المَسْحِ على العِمَامَةِ، ونحنُ نقولُ به، ولأن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا تَوَضَّأ مَسَحَ رَأْسَه كُلَّه، وهذا يَصْلُحُ أن يكونَ مُبَيِّنًا للمَسْحِ المَأْمُورِ به، وما ذَكَرُوه من اللفظ مَجَازٌ لا يُعْدَلُ إليه عن الحَقِيقةِ إلَّا بِدَلِيلٍ.


(٣) انظر: باب مسح المرأة رأسها، من كتاب الطهارة. المجتبى من سنن النسائي ١/ ٦٢.
(٤) أخرجه مسلم، في: باب المسح على الناصية والعمامة، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم ١/ ٢٣٠، ٢٣١. والترمذي، في: باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة، من كتاب الطهارة. عارضة الأحوذى ١/ ١٥٠، والنسائي، في: باب صفة الوضوء - غسل الكفين، وباب المسح على العمامة مع الناصية، وباب كيف المسح على العمامة، من كتاب الطهارة. المجتبى ١/ ٥٥، ٦٥، ٦٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٢٤٤، ٢٤٨, ٢٥٠, ٢٥٥.
(٥) تقدم في صفحة ١٦٩.
(٦) أبو القاسم عبد الواحد بن على بن برهان العكبرى النحوى اللغوى، المتوفى سنة ست وخمسين وأربعمائة. إنباه الرواة ٢/ ٢١٣ - ٢١٥.
(٧) انظر: البحر المحيط ٣/ ٤٣٦، وإملاء ما مَنَّ به الرحمن ١/ ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>