للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإذا ماتَ الواهِبُ أو المَوْهُوبُ له قَبْلَ القَبْضِ، بَطَلَتِ الهِبَةُ، سواءٌ كان قَبْلَ الإِذْنِ في القَبْضِ أو بعدَه. ذَكَرَه القاضي في مَوْتِ الواهِبِ؛ لأنَّه عَقْدٌ جائِزٌ، فبَطَلَ بمَوْتِ أحدِ المُتَعاقِدَيْنِ، كالوَكَالَةِ والشَّرِكَةِ. وقال أحمدُ، في رِوَايةِ أبي طالِبٍ، وأبي الحارِثِ، في رَجُلٍ أهْدَى هَدِيَّةً فلم تَصِلْ إلى المُهْدَى إليه، حتى ماتَ؛ فإنَّها تَعُودُ إلى صَاحِبِها ما لم يَقْبِضْها. ورَوَى (١٧) بإسْنادِه عن أُمِّ كلْثُوم بِنْت أبي (١٨) سَلَمةَ، قالت: لمَّا تَزَوَّجَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أُمَّ سَلَمَةَ، قال لها: "إنِّي قَدْ أَهْدَيْتُ إلَى النَّجَاشِىِّ حُلَّةً وأَوَاقِىَّ مِسْكٍ، ولَا أرَى النَّجَاشِىَّ إلَّا قَدْ مَاتَ، ولَا أرَى هَدِيَّتِى إلَّا (١٨) مَرْدُودَةً عَلَىَّ، فإنْ رُدَّتْ فَهِىَ لَكِ". قالتْ: فكان ما قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورُدَّتْ عليه هَدِيَّتُه، فأعْطَى كلَّ امْرَأةٍ من نِسَائِه أُوقِيّةً من مِسْكٍ، وأعْطَى أُمَّ سَلَمةَ بَقِيَّةَ المِسْكِ والحُلَّةَ. وإن ماتَ صاحِبُ الهَدِيّةِ قبلَ أن تَصِلَ إلى المُهْدَى إليه، رَجَعَتْ إلى وَرَثَةِ (١٩) المُهْدِى، وليس لِلرَّسُولِ حَمْلُها إلى المُهْدَى إليه، إلَّا أن يَأْذَنَ له الوارِثُ. ولو رَجَعَ المُهْدِى في هَدِيَّتِه قبلَ وُصُولِها إلى المُهْدَى إليه، صَحَّ رُجُوعُه فيها، والهِبَةُ كالهَدِيَّةِ. وقال أبو الخَطَّابِ: إذا ماتَ الواهِبُ، قامَ وارِثُه مَقَامَه في الإِذْنِ في القَبْضِ والفَسْخِ. وهذا (٢٠) يَدُلُّ على أنّ الهِبَةَ لا تَنْفَسِخُ بمَوْتِه. وهذا قولُ أكْثَرِ أصْحابِ الشافِعِىِّ؛ لأنَّه عَقْدٌ مَآلُه إلى اللُّزُومِ، فلم يَنْفَسِخْ بالمَوتِ كالبَيْعِ (١٩) المَشْرُوطِ فيه الخِيَارُ. وكذلك يُخَرَّجُ فيما إذا ماتَ المَوْهُوبُ له بعدَ قَبُولِه. وإن ماتَ أحَدُهما قبلَ القَبُولِ، أو ما يَقُومُ مَقَامَه، بَطَلَتْ، وَجْهًا واحدًا؛ لأنَّ العَقْدَ لم يَتِمَّ، فأشْبَهَ ما لو أوْجَبَ البَيْعَ، فماتَ أحَدُهما قبلَ القَبُولِ من المُشْتَرِى. وإذا قُلْنا: إنَّ الهِبةَ لا تَبْطُلُ.


(١٧) المسند ٦/ ٤٠٤.
(١٨) سقط من: م.
(١٩) سقط من: الأصل.
(٢٠) في م زيادة: "ما".

<<  <  ج: ص:  >  >>