للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَقْدُ الرَّهْنِ، فلم يَجِبْ، ولم يَصِحَّ رَهْنُه، كما لو شَرَطَ أن لا يَبِيعَه. وذَكَرَ القاضي فيه وَجْهَيْنِ، كالقَوْلَيْنِ. ولَنا، أنَّ العُرْفَ يَقْتَضِي ذلك؛ لأنَّ المالِكَ لا يُعَرِّضُ مِلْكَهُ لِلتَّلَفِ والهَلَاكِ، فإذا تَعَيَّنَ حِفْظُه في بَيْعِه، حُمِلَ عليه مُطْلَقُ العَقْدِ، كَتَجْفِيفِ ما يَجِفُّ، والإنْفَاقِ على الحَيَوانِ، وحَرْزِ ما يَحْتَاجُ إلى حَرْزٍ. وأمَّا إذا شَرَطَ أن لا يُبَاعَ، فلا يَصِحُّ؛ لأنَّه شَرَطَ ما يَتَضَمَّنُ فَسَادَه، وفَوَاتَ المَقصُودِ، فأَشْبَهَ مالو شَرَطَ أن لا يُجَفِّفَ ما يَجِفُّ، أو لا يُنْفِقَ على الحَيَوانِ. وإذا ثَبَتَ ما ذَكَرْنَاهُ، فإنَّه إن شَرَطَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعَه، أو أذِنَ له في بَيْعِه بعدَ العَقْدِ، أو اتَّفَقَا على أن يَبِيعَهُ الرَّاهْنُ أو غيرُه، بَاعَهُ. وإن لم يُمْكِنْ ذلك، بَاعَهُ الحاكِمُ، وجَعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا، ولا يَقْضِى الدَّيْنَ من ثَمَنِه؛ لأنَّه ليس له تَعْجِيلُ وَفَاءِ الدَّيْنِ قبلَ حُلُولِه (٢٦). وكذلك الحُكْمُ إن رَهَنَهُ ثِيَابًا فخَافَ تَلَفَها، أو حَيَوَانًا وخَافَ مَوْتَهُ، قال أحمدُ، في مَن رَهَنَ ثِيَابًا يَخافُ فَسَادَها، كالصُّوفِ: أتَى السُّلْطَانَ، فأَمَرَهُ بِبَيْعِها.

فصل: ويَصِحُّ (٢٧) رَهْنُ العَصِيرِ؛ لأنَّه يجوزُ بَيْعُه، وتَعَرُّضُه لِلخُرُوجِ عن المالِيَّةِ لا يَمْنَعُ صِحَّةَ رَهْنِه، كالمَرِيضِ والجَانِى. ثم إنِ اسْتَحَالَ إلى حالٍ لايخْرُجُ فيها عن المالِيَّةِ، كالخَلِّ، فالرَّهْنُ بحالِه، وإن صَارَ خَمْرًا زالَ لُزُومُ العَقْدِ، ووجَبَتْ إرَاقَتُه، فإن أُرِيقَ بَطَلَ العَقْدُ فيه، ولا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لأنَّ التَّلَفَ حَصَلَ في يَدِه. وإن عَادَ خَلًّا، عَادَ اللُّزُومُ، بِحُكْمِ العَقْدِ السَّابِقِ، كما لو زَالَتْ يَدُ المُرْتَهِنِ عن الرَّهْنِ ثم عَادَتْ إليه. وإن اسْتَحَالَ خَمْرًا قبلَ قَبْضِ المُرْتَهِنِ له، بَطلَ الرَّهْنُ، ولم يَعُدْ بِعَوْدِه خَلًّا؛ لأنَّه عَقْدٌ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ القَبْضِ فيه (٢٨)، فأشْبَه إسْلامَ أحَدِ الزَّوْجَيْنِ قبلَ الدُّخُولِ. وذَكَرَ القَاضي أنَّ العَصِيرَ إذا اسْتَحَالَ خَمْرًا بعدَ القَبْضِ، بَطَلَ الرَّهْنُ، ثم إذا عَادَ خَلًّا، عَادَ مِلْكًا لِصَاحِبِه، مَرْهُونًا بالعَقْدِ السَّابِقِ؛ لأنَّه


(٢٦) في الأصل: "حله": وفي أ: "محله".
(٢٧) في م: "ويجوز".
(٢٨) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>