للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَهْزَأَ باللهِ تعالى، أو بآياتِهِ أو برُسلِه، أو كُتْبِه، قال اللَّه تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (١٤). وينْبغِى أن لا يُكْتَفَى من الهازِئ بذلك بمُجَرَّدِ الإِسلامِ، حتى يُؤَدَّبَ أدَبًا يَزْجُرُه عن ذلك، فإنَّه إذا لم يُكْتَفَ ممَّنْ (١٥) سَبَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالتَّوْبَة، فمِمَّنْ سَبَّ اللهَ تعالى أَوْلَى.

فصل في السِّحْر: وهو عُقَدٌ ورُقًى وكَلَامٌ يَتَكَلَّمُ به، أو يَكْتُبُه، أو يَعْمَلُ شيئًا يُؤَثِّرُ في بَدَنِ المسْحُورِ، أو قَلْبِه، أو عَقْلِه، من غيرِ مُباشَرَةٍ له. وله حَقيقةٌ، فمنه ما يَقْتُلُ، وما يُمْرِضُ، وما يأخذُ الرجلَ عن امرأتِه فيَمْنَعُه وَطْأَها، ومنه ما يُفَرِّقُ بينَ المرءِ وزوجِه، وما يُبَغِّضُ أحدَهما إلى الآخَرِ، أو يُحَبِّبُ بين الاثْنَيْنِ (١٦). وهذا قولُ الشافِعِىِّ. وذهبَ بعضُ أصحابِه إلى أنَّه لا حقيقةَ له، إنَّما هو تَخْيِيلٌ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (١٧). وقال أصحابُ أبي حنيفةَ: إن كان شيئًا يَصِلُ إلى بَدَنِ المسحُورِ، كدُخانٍ ونحوِه، جازَ أن يَحْصُلَ منه ذلك، فأمَّا أن يَحْصُلَ المرضُ والموتُ من غيرِ أن يصلَ إلى بدنِه شيءٌ، فلا يجوزُ ذلك؛ لأنَّه لو جازَ، لَبطَلَتْ مُعْجِزاتُ الأنبياءِ عليهم السلامُ؛ لأنَّ ذلك يَخْرِقُ العاداتِ، فإذا جازَ من غيرِ الأنبياءِ، بَطَلَتْ مُعْجِزاتُهم وأدِلَّتُهم. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (١٨) يَعْنِى السَّواحرَ اللَّاتي يَعْقِدْنَ في سِحْرِهِنَّ، ويَنْفُثْنَ عليه، ولولا أنَّ السِّحْرَ له حقيقةٌ، لَما أمرَ اللَّه تعالى بالاسْتعاذَةِ منه. وقال اللَّه تعالى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}. إلى قوله {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (١٩). وروتْ


(١٤) سورة التوبة ٦٥، ٦٦.
(١٥) في ب: "عن".
(١٦) في ب، م: "اثنين".
(١٧) سورة طه ٦٦.
(١٨) سورة الفلق ١ - ٤.
(١٩) سورة البقرة ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>