للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عائشةُ رَضِىَ اللهُ عنها، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُحِرَ، حتى إنَّه ليُخَيَّلُ إليه أنَّه يَفْعَلُ الشَّيءَ وما يَفْعَلُه، وأنَّه قال لها ذاتَ يومٍ: "أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ؟ أنَّه أَتَانِى مَلَكَان فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى، والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ، فَقَالَ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قال: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَم في مُشْطٍ ومُشَاطَةٍ (٢٠)، في جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، فِي [بِئْرٍ ذِى أَرْوَانَ"] (٢١). ذكَره البُخارِىُّ، وغيرُه (٢٢). جُفِّ الطَّلْعَةِ: وعاؤُها. والْمُشَاطَةُ: الشَّعَرُ الذي يَخْرُجُ من شَعْرِ الرَّأْسِ أو غيرِه إذا مُشِطَ. فقد أثْبَتَ لهم سِحْرًا. وقد اشْتُهِرَ بينَ النَّاس وجودُ عَقْدِ الرَّجُلِ عن امرأتِه حينَ يَتزوَّجُها. فلا يَقْدِرُ على إتْيانِها، وحَلُّ عَقْدِه، فيَقْدِرُ عليها بعدَ عَجْزِه عنها، حتى صار مُتواتِرًا لا يُمْكِنُ جَحْدُه. ورُوِىَ (٢٣) من أخْبارِ السَّحَرَةِ ما لا يكادُ يُمْكِنُ التَّواطُؤ على الكَذِبِ فيه. وأمَّا إبطالُ المُعْجزاتِ، فلا يَلْزَمُ من هذا؛ لأنَّه لا يبْلُغُ ما يأْتِى به الأنبياءُ عليهم السَّلامُ، وليس يلزمُ أن يَنْتَهِىَ إلى أن تَسْعَى العِصِىُّ والحِبَالُ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ وتَعْلِيمَهُ حَرَامٌ لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا بينَ أهلِ العلمِ. قال أصحابُنا: ويَكْفُرُ السَّاحِرُ بتَعلُّمِه وفعلِه، سواءٌ اعْتَقدَ تَحْريمَهُ أو إباحَتَه. ورُوِىَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّه لا يَكْفُرُ، فإن حَنْبَلًا رَوَى عنه، قال: قال عَمِّى في العَرَّافِ والكاهِنِ والسَّاحِرِ: أَرَى أن يُسْتَتَابَ مِن هذه الأفاعيلِ كلِّها، فإنَّه عندى في معنى المُرْتَدِّ، فإن تابَ وراجعَ - يعني - خُلِّىَ (٢٤) سَبِيلُه. قلتُ له: يُقْتَلُ؟ قال: لا، يُحْبَسُ، لعلَّه يَرْجِعُ. قلتُ له: لمَ لا


(٢٠) في صحيح البخاري: "ومشاقة". والمشاقة: ما يستخرج من الكتان.
(٢١) في البخاري: "بئر ذروان". وكلاهما صحيح. وهى بئر بالمدينة في بستان بنى زريق. انظر: شرح النووي لصحيح مسلم ١٤/ ١٧٧.
(٢٢) أخرجه البخاري، في: باب صفة إبليس وجنوده، من كتاب بدء الخلق، وفى: باب السحر، وباب هل يستخرج السحر، من كتاب الطب، وفى: باب قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، من كتاب الأدب، وفى: باب تكرير الدعاء، من كتاب الدعوات. صحيح البخاري ٤/ ١٤٨، ٧/ ١٧٧، ١٧٨، ٨/ ٢٢، ٢٣، ٨/ ١٠٣. ومسلم، في: باب السحر، من كتاب السلام. صحيح مسلم ٤/ ١٧١٩، ١٧٢٠، ١٧٢١. وابن ماجه، في: باب السحر، من كتاب الطب. سنن ابن ماجه ٢/ ١١٧٣. والإِمام أحمد، في.: المسند ٦/ ٥٧، ٦٣, ٩٦.
(٢٣) في م: "وقد روى".
(٢٤) في م: "يخلى".

<<  <  ج: ص:  >  >>