للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقْتُلُه؟ قال: إذا كان يُصَلِّى، لعلَّه يتوبُ ويرجِعُ. وهذا يَدُلُّ على أنَّه لم يُكَفِّرْهُ، لأنَّه لو كَفَّرَه لَقتلَه. وقولُه: في معنى المُرْتَدِّ. يعني في الاسْتِتَابَةِ. وقال أصحابُ أبي حَنِيفة: إن اعْتَقَدَ أنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ له ما يشاءُ، كَفَرَ، وإن اعتقدَ أنَّه تَخْييلٌ لم يكْفُرْ. وقال الشَّافِعِىُّ: إن اعْتقدَ ما يُوجِبُ الكُفْرَ، مثلَ التَّقَرُّبِ إلى الكواكبِ السَّبْعةِ، وأنَّها تَفْعَلُ ما يلْتَمِسُ، أو اعْتقدَ حِلَّ السِّحْرِ، كَفَرَ؛ لأنَّ القرآنَ نَطَقَ بتَحْريمِه، وثَبَتَ بالنَّقْلِ المُتواترِ والإِجْماعِ عليه، وإلَّا فُسِّقَ ولم يُكَفَّرْ؛ لأنَّ عائِشَةَ، رَضِىَ اللهُ عنها، باعتْ مُدَبَّرَةً لها سَحرَتْها، بمَحْضَرٍ مِن الصَّحَابَةِ (٢٥). ولو كَفَرتْ لَصارتْ مُرْتدَّةً يجبُ قتلُها، ولم يَجُزِ اسْتِرْقاقُها، ولأنَّه شيءٌ يضُرُّ بالنَّاسِ، فلم يَكْفُرْ بمُجرَّدِه كأذاهم. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}. إلى قوله: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (٢٦). أي وما كَفَرَ سُلَيْمانُ، أي وما كان ساحرًا كَفَرَ بسِحْرِه. وقولُهما: إنَّما نحن فتنةٌ فلا تَكْفُرْ. أي لا تتعلَّمْه فتَكْفُرَ بذلك، وقد رَوَى هشامُ بنُ عُرْوةَ، عن أبيه، عن عائشةَ، أنَّ امرأةً جاءَتْها، فجعلَتْ تبْكِى بُكاءً شديدًا، وقالتْ: يا أُمَّ المؤمنين، إنَّ عجوزًا ذهَبتْ بي إلى هاروتَ وماروتَ. فقلتُ: عَلِّمَانِى السِّحْرَ. فقالا: اتَّقِى اللهَ ولا تَكْفُرِى، فإنَّك على رأسِ أمْرِك. فقلتُ: عَلِّمانِي السِّحْرَ. فقالا (٢٧): اذْهَبِى إلى ذلك التَّنُورِ، فبُولِى فيه. ففعلْتُ، فرأيتُ كأنَّ فارسًا مُقَنَّعًا في الحدِيدِ خَرَجَ مِنِّى حتى طار، فغابَ في السَّماءِ، فرَجَعْتُ إليهما، فأخبرتُهما، فقالا: ذلك إيمانُك. فذكَرتْ بَاقِىَ القصَّةِ، إلى أنْ قالتْ: واللَّه يا أُمَّ المؤمنين ما صنعتُ شيئًا غيرَ هذا، ولا أصْنَعُه أبدًا، فهلْ لي من تَوْبَةٍ؟ قالتْ عائشةُ: ورأيتُها تَبْكِى بُكاءً شديدًا، فطافتْ في أصحابِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهم مُتوافِرُون تسْألُهم، هل لها من تَوْبةٍ؟ فما أفْتاها


(٢٥) أخرجه البيهقي، في: باب من لا يكون سحره كفرا. . ., من كتاب القسامة. السنن الكبرى ٨/ ١٣٧. وعبد الرزاق، في: باب قتل الساحر، من كتاب اللقطة. المصنف ١٠/ ١٨٣.
(٢٦) سورة البقرة ١٠٢.
(٢٧) في ب، م: "فقال".

<<  <  ج: ص:  >  >>