للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمْرِ يُبْطِلُ فائِدَةَ التَّخْصِيصِ. ولأنَّه أحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فأُبِيحَ له غَسْلُ صَاحِبِه كالآخَر، والمَعْنَى فيه أنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من الزَّوْجَيْنِ يَسْهُلُ عليه اطِّلَاعُ الآخَر على عَوْرَتِه دُونَ غيرِه، لما كان بينهما في الحَيَاةِ، ويَأْتِى بالغُسْلِ على أكْمَلِ ما يُمْكِنُه، لما بينهما من المَوَدَّةِ والرَّحْمَةِ. وما قَاسُوا عليه لا يَصِحُّ، لأنَّه يَمْنَعُ الزَّوْجَةَ من النَّظَرِ، وهذا بِخِلافِه، ولأنَّه لا فَرْقَ بين الزَّوْجَيْنِ إلَّا بقَاءُ العِدَّةِ، ولا أثَرَ لها، بِدَلِيلِ ما لو ماتَ المُطَلِّقُ ثَلَاثًا، فإنَّه لا يجوزُ لها غَسْلُه مع العِدَّةِ. ولأنَّ المَرْأَةَ لو وَضَعَتْ حَمْلَها عَقِبَ مَوْتِه كان لها غَسْلُه، ولا عِدَّةَ عليها. وقولُ الْخِرَقِىِّ: "وإن دَعَتِ الضَّرُورَةُ إلى أن يُغَسِّلَ الرَّجُلُ زَوْجَتَه فلا بَأْسَ" يَعْنِى به (٤) أنَّه يُكْرَهُ له غَسْلُها مع وُجُودِ مَن يُغَسِّلها سِواهُ، لما فيه من الخِلافِ والشُّبْهَةِ، ولم يُرِدْ أنَّه مُحَرَّمٌ؛ فإنَّ غُسْلَها لو كان مُحَرَّمًا لم تُبِحْهُ الضَّرُورَةُ، كغَسْلِ ذَوَات مَحَارِمِه والأجْنَبِيَّاتِ.

فصل: فإن طَلَّقَ امْرَأتَهُ، ثم ماتَ أحَدُهما في العِدَّةِ، وكان الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، فحُكْمُهُما حُكْمُ الزَّوْجَيْنِ قبلَ الطَّلَاقِ؛ لأنَّها زَوْجَةٌ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ، وتَرِثُه ويَرِثُها، ويُباحُ له وَطْؤُها. وإن كان بَائِنًا لم يَجُزْ؛ لأن اللَّمْسَ والنَّظَرَ مُحَرَّمٌ حالَ الحياةِ، فبعدَ المَوْتِ أوْلَى. وإنْ قُلْنا: إن الرَّجْعِيَّةَ مُحَرَّمَةٌ. لم يُبَحْ لأحَدِهما غُسْلُ صَاحِبِه؛ لما ذَكَرْناهُ.

فصل: وحُكْمُ أُمِّ الوَلدِ حُكْمُ المَرْأَةِ فيما ذَكَرْنا. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أنْ لا يجوزَ لها غَسْلُ سَيِّدِها؛ لأنَّ عِتْقَهَا حَصَلَ بالمَوْتِ، ولم يَبْقَ عُلْقَةٌ مِن مِيرَاثٍ ولا غيرِه. وهذا قولُ أبى حنيفةَ. ولَنا، أنَّها في مَعْنَى الزَّوْجَةِ في اللَّمْسِ والنَّظَرِ


= ١/ ٤٧٠. كما أخرجه الدارمي، في: باب في وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، من المقدمة. سنن الدارمي ١/ ٣٧، ٣٨. والإِمام أحمد، في: المسند ٦/ ٢٢٨. والجميع بلفظ: "فغسلتك".
قال ابن حجر: قوله: "لغسلتك" باللام تحريف، والذي في الكتب المذكورة: "فغسلتك" بالفاء وهو الصواب، والفرق بينهما أن الأولى شرطية والثانية للتمنى ا. هـ. تلخيص الحبير ٢/ ١٠٧.
(٤) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>