للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحكمَ بينَه وبينَ خَصْمِه، فقال: لى دَعْوَى أُخْرَى. لم يَسمعْ منه؛ لأنَّه قد قدَّمَه بسَبْقِهِ فى خُصومَةٍ، فلا يقُدِّمُه بأُخْرَى، ويقولُ له: اجْلِسْ حتى إذا لم يَبْقَ أحدٌ مِن الحاضِرينَ، نَظَرْتُ فى دَعوَاك الأُخْرَى إن (٣٠) أمْكَنَ. فإذا فَرغَ الكُلُّ، فقالَ الأخيرُ بعدَ فصلِ خُصومَتِه: لى دَعْوَى أُخْرَى. لم يَسْمَعْ منه، حتى يَسْمَعَ دَعْوَى الأوَّلِ الثانيةَ، ثمَّ يَسْمَعُ دَعوَاه. وإن ادَّعَى المُدَّعَى عليه، على المُدَّعِى، حَكَمَ بينَهما؛ لأنَّنا إنَّما نَعْتبِرُ الأوَّلَ فالأوَّلَ فى المُدَّعِى (٣١)، لا فى المُدَّعَى عليه. وإذا تقدَّم الثانى، فادَّعَى على المُدَّعِى الأوَّلِ، أو المدَّعَى عليه الأوَّلِ، حَكمَ بينَهما. وإنْ حضَرَ اثْنان، أو جَماعةٌ دَفعَةً واحدةً، أقْرَعَ بينَهم، فقدَّمَ مَن خرجَتْ له القُرْعةُ، لتَساوِى حُقوقِهم، وإنْ كَثُرَ عددُهم، كتبَ أسْماءَهم فى رِقَاعٍ، وتَرَكَها بين يَدَيْه، ومدَّ يدَه فأخذَ رُقْعةً رُقْعةً، واحدةً بعدَ أُخرَى، ويُقدِّمُ صاحبَها حَسْبَ ما يَتَّفقُ.

فصل: فإن حضرَ مُسافرون ومُقِيمون، وكان المسافرونَ قليلًا، بحيثُ لا يَضُرُّ (٣٢) تَقديمُهم على المُقِيمِينَ، قدَّمَهم؛ لأنَّهم على جَناحِ السَّفَرِ، ويَشْتغِلون بما يَصلُحُ للرَّحِيلِ، وقد خَفَّفَ اللهُ عنهم الصَّوْمَ وشَطْرَ الصَّلاةِ تَخفِيفًا عنهم، وفى تأْخيرِهِم ضَرَرٌ بهم، فإن شاءَ أفْرَدَ لهم يومًا يَفْرُغُ مِن حَوائِجِهم فيه، وإنْ شاءَ قدَّمَهم مِن غيرِ إفْرادِ يومٍ لهم. فإن كانوا كثيرًا، بحيثُ يَضُرُّ تَقْديمُهم، فهم والمُقِيمون سَواءٌ؛ لأنَّ تَقْديمَهم مع القِلَّةِ، إنَّما كانَ لدَفْعِ [المَضَرَّةِ المُخْتَصَّةِ] (٣٣) بهم، فإذا آل دفعُ ضَرَرِهم (٣٤) إلى الضَّررِ بغيرِهم، تَساوَوا. ولا خلافَ فى أكثرِ هذه الآدابِ، وأنَّها ليستْ شرطًا فى صحَّةِ القَضاءِ، فلو قدَّمَ المسْبوقَ، أو قدَّمَ الحاضرين، أو نحوَه، كان قضاؤُه صَحيحًا.

فصل: وإذا تقدَّم إليه خَصْمانِ، فإنْ شاءَ قال: مَن المُدَّعِى مِنْكما؟ لأنَّهما حضَرا لذلك، وإن شاءَ سَكتَ، ويقولُ القائمُ على رأسِه: مَن المُدَّعِى منكما؟ إن سَكَتا


(٣٠) فى ب: "إذ".
(٣١) فى ب، م: "الدعوى".
(٣٢) فى الأصل: "يضرهم".
(٣٣) فى م: "الضرر المختص".
(٣٤) فى م: "الضرر عنهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>