للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخِيانَةِ، والنُّفُوسُ إلى تَنَاوُلِه وأخْذِه داعِيَةٌ، بخِلَافِ اللَّقِيطِ. فعلى هذا، متى أرادَ المُلْتَقِطُ السَّفَرَ باللَّقِيطِ مُنِعَ منه؛ لأنَّه يُبْعِدُه ممَّن عَرَفَ حالَه، فلا يُؤْمَنُ أن يَدَّعِىَ رِقَّهُ ويَبِيعَه.

فصل: وإذا الْتَقَطَ اللَّقِيطَ مَنْ هو مَسْتُورُ الحالِ، لم تُعْرَفْ منه حَقِيقَةُ العَدَالةِ ولا الخِيَانةِ، أُقِرَّ اللَّقَيطُ في يَدَيْهِ؛ لأنَّ حُكْمَه حُكْمُ العَدْلِ في لُقَطَةِ المالِ والوِلَايةِ في النِّكَاحِ والشَّهَادَةِ فيه، وفى أكْثَر الأحْكامِ، ولأنَّ الأَصْلَ في المُسْلِمِ العَدَالَةُ؛ ولذلك قال عمرُ، رَضِىَ اللهُ عنه: المُسْلِمونَ عُدُولٌ بعضُهم على بعضٍ. فإن أرادَ السَّفَرَ بلُقَطَتِه، ففيه وَجْهانِ؛ أحدهما، لا يُقَرُّ في يَدَيْهِ. وهذا مذهبُ الشافِعِيِّ؛ لأنَّه لم يَتَحَقَّقْ أمَانَتَه، فلم تُؤْمَن الخِيَانَةُ منه. والثاني، يُقَرُّ في يَدَيْه؛ لأنَّه يُقَرُّ في يَدَيْهِ في الحَضَرِ من غير مُشْرِفٍ يُضَمُّ إليه، فأشْبَه العَدْلَ، ولأنَّ الظاهِرَ السَّتْرُ والصِّيانَةُ. فأمَّا مَنْ عُرِفَتْ عَدَالَتُه، وظَهَرَتْ أمانَتُه، فيُقَرُّ اللَّقِيطُ في يَدِه في سَفَرِه وحَضَرِه؛ لأنَّه مَأمُونٌ عليه إذا كان سَفَرُه لغير النُّقْلَةِ.

فصل: فإن كان سَفَر الأمِينِ بِاللَّقِيطِ إلى مكانٍ يُقِيمُ به، نَظَرْنا؛ فإن كان الْتَقَطَه من الحَضَرِ، فأرادَ النُّقْلَةَ (٩) به إلى البادِيَةِ، لم يُقَرَّ في يَدِه، لِوَجْهَيْنِ؛ أحدهما، أنَّ مُقَامَه في الحَضَرِ أصْلَحُ له في دِينِه ودُنْيَاه، وأَرْفَهُ له. والثاني، أنَّه إذا وُجِدَ في الحَضَرِ، فالظاهِرُ أنَّه وُلِدَ فيه، فبقاؤُه فيه أرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِه وظُهُورِ أهْلِه، واعْتِرَافِهِم به. وإن أرادَ النُّقْلَةَ به إلى بَلَدٍ آخَرَ من الحَضَرِ، ففيه وَجْهانِ؛ أحدهما، لا يُقَرُّ في يَدِه؛ لأنَّ بَقَاءَه في بَلَدِه أرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِه، فلم يُقَرَّ في يَدِ المُنْتَقِلِ عنه، قِياسًا على المُنْتَقِلِ به إلى البادِيَةِ. والثاني، يُقَرُّ في يَدِه؛ لأنَّ وِلَايَتَه ثابِتَةٌ، والبَلَدُ الثاني كالأَوَّلِ في الرَّفاهِيَةِ، فيُقَرُّ في يَدِه، كما لو انْتقَلَ من أحَدِ جانِبَىِ البَلَدِ إلى الجانِبِ الآخَر، وفارَقَ المُنْتَقِلَ به إلى البادِيَةِ؛ لأنَّه يَضُرُّ به بِتَفْوِيتِ الرَّفَاهِيَةِ عليه. وإن الْتَقَطَه من البادِيَةِ فله نَقْلُه إلى


(٩) في م: "النقل".

<<  <  ج: ص:  >  >>