للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخِرَقِىِّ أنَّه يُقَرُّ في يَدَيْهِ، ويُمْنَعُ من السَّفَرِ به، لئلَّا يَدَّعِىَ رِقَّه ويَبِيعَه. ويَنْبَغِى أن يَجِبَ الإِشْهادُ عليه، ويُضَمَّ إليه مَن يُشْرِفُ عليه؛ لأنَّنا إذا ضَمَمْنا إليه في اللُّقَطَةِ مَنْ يُشْرِفُ عليه، فههُنا أَوْلَى. وقال القاضي: المذهبُ أنَّه يُنْزَعُ من يَدَيْهِ. وهذا قولُ الشافِعِيِّ؛ لأنَّه ليس في حِفْظِ اللَّقِيطِ إلَّا الوِلَايةُ، ولا وِلَايةَ لِفَاسِقٍ. وفارَقَ اللُّقَطةَ من أوْجُهٍ؛ أحدها، أنَّ في اللُّقَطَةِ مَعْنَى الكَسْبِ، وليس ههُنا إلَّا الوِلَايةُ. والثاني، أنَّ اللُّقَطةَ لو انْتَزَعْناهَا منه رَدَدْناهَا إليه بعدَ الحَوْلِ، فاحْتَطْنَا عليها مع بَقَائِها في يَدَيْه، وههُنا لا تُرَدُّ إليه بعدَ الانْتِزاعِ منه بحالٍ، فكان الانْتِزَاعُ أَحْوَطَ. والثالث، أنَّ المَقْصُودَ ثَمَّ حِفْظُ المالِ، ويُمْكِنْ (٥) الاحْتِياطُ عليه بأن يَسْتَظْهِرَ عليه في التَّعْرِيفِ، أو ينصِبَ الحاكِمُ مَنْ يُعَرِّفُها، وههُنا المَقْصُودُ حِفْظُ الحُرِّيَّةِ والنَّسَبِ، ولا سَبِيلَ إلى الاسْتِظْهارِ عليه؛ لأنَّه قد يَدَّعِى رِقَّه في بعضِ البُلْدانِ، أو في بعضِ الزَّمانِ، ولأنَّ اللُّقَطَةَ إنَّما يُحْتَاجُ إلى حِفْظِها والاحْتِيَاطِ عليها عامًا واحدًا، وهذا يُحْتَاجُ إلى الاحْتِياطِ عليه في جَمِيعِ زَمَانِه. وأمَّا على ظاهِرِ قولِ الخِرَقِىِّ، فلا يُنْزَعُ (٦) منه؛ لأنَّه قد ثَبَتَتْ له الوِلَايَةُ بالْتِقَاطِه إياه، وسَبْقِه إليه، وأمْكَنَ حِفْظُ اللَّقِيطِ في يَدَيْه بالإِشْهادِ عليه، وضَمِّ أمِينٍ يُشَارِفُه إليه، ويُشِيعُ أمْرَه، فيُعْرَفُ أنَّه لَقِيطٌ، فيُحْفَظُ (٧) بذلك من غير زَوَالِ وِلَايَتِه. جَمْعًا بين الحَقَّيْنِ، كما في اللُّقَطَةِ، وكما لو كان الوَصيُّ خائِنًا. وما ذُكِرَ من التَّرجِيحِ لِلُّقَطَةِ، فيُمْكِنُ (٨) مُعَارَضَتُه، بأنَّ اللَّقِيطَ ظاهِرٌ مَكْشُوفٌ لا تَخْفَى الخِيَانَةُ فيه، واللُّقَطَةُ مَسْتُورَةٌ خَفِيّةٌ تَتَطَرَّقُ إليها الخِيَانَةُ، ولا يُعلَمُ بها، ولأنَّ اللُّقَطةَ يُمكِنُ أخْذُ بعضِها وتَنْقِيصُها وإبْدَالُها، ولا يُتَمَكَّنُ من ذلك في اللَّقِيطِ. ولأنَّ المالَ مَحلُّ


(٥) في الأصل: "ولكن".
(٦) في الأصل: "ينتزع".
(٧) في الأصل: "فينحفظ".
(٨) في الأصل زيادة: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>