للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ الخِيارَ يَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَةِ، ولأنَّه يُؤَدِّى إلى إلْزامِ العَقْدِ على المَجْهُولِ، فَيُفْضِى إلى الضَّرَرِ، وكذلك لو تَبايَعا بِشَرْطِ أن لا يَثْبُتَ الخِيارُ لِلْمُشْتَرِى، لم يَصِحَّ الشَّرْطُ لذلكَ. وهل يَفْسُدُ البَيْعُ بهذا الشَّرْطِ؟ على وَجْهَيْنِ، بِناءً على الشُّرُوطِ الفاسِدَةِ فى البَيْعِ.

فصل: ويُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ العَقْدِ الرُّؤْيَةُ من البائِع والمُشْتَرِى جمِيعًا، وإن قُلْنا بِصِحَّةِ البَيْع مع عَدَمِ الرُّؤْيَةِ، فباعَ ما لم يَرَهُ، فله الخِيارُ عند الرُّؤْيَةِ، وإن لم يَرَهُ المُشْتَرِى أيضًا، فَلِكُلِّ واحدٍ منهما الخِيارُ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبُو حنيفةَ: [لا خِيارَ له] (١٤)؛ لحديثِ عُثْمانَ وطَلْحَةَ، ولأنَّنا لو جَعَلْنا له الخِيارَ لَثَبَتَ لِتَوَهُّمِ الزِّيادَةِ، والزِّيادَةُ فى المَبِيعِ لا تُثْبِتُ الخِيارَ. وكذلك لو باعَ شَيْئًا على أنه مَعيِبٌ، فبَانَ غيرَ مَعِيبٍ، لم يَثْبُتْ له الخِيارُ. ولنا، أنَّه جاهِلٌ بِصِفَةِ المَعْقُودِ عليه فأشْبَهَ المُشْتَرِىَ، فأمَّا الخَبَرُ، فإنَّه قولُ جُبَيْرٍ وطَلْحَةَ، وقد خالفَهُما عُثْمَانُ، وقَوْلُه أولَى؛ لأنَّ البَيْعَ يُعْتَبَرُ فيه الرِّضَى منهما، فتُعْتَبَرُ الرُّؤْيَةُ التى هى مَظِنَّةُ الرِّضَى منهما.

فصل: وإذا وَصَفَ المَبِيعَ لِلْمُشْتَرِى، فذَكَرَ له مِن صِفاتِه ما يَكْفِى فى صِحَّةِ السَّلَمِ، صَحَّ بَيْعُه فى ظاهِرِ المذهبِ. وهو قولُ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. وعن أحمدَ، لا يَصِحُّ حتى يَراهُ؛ لأنَّ الصِّفَةَ لا تَحْصُلُ بها مَعْرِفَةُ المَبِيعِ، فلم يَصِحَّ البَيْعُ بها كالذى لا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه. ولنا، أنَّه بَيْعٌ بِالصِّفَةِ (١٥)، فَصَحَّ كَالسَّلَمِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّه لا تَحْصُلُ به [مَعْرِفَةُ المَبِيعِ] (١٦)، فإنَّها تَحْصُلُ بالصِّفَاتِ الظَّاهِرَةِ التى يَخْتَلفُ بها الثَّمَنُ ظاهِرًا، وهذا يَكْفِى؛ بِدَلِيلِ أنه يَكْفِى فى السَّلَمِ، وأنَّه لا يُعْتَبَرُ (١٧) فى الرُّؤْيَةِ الاطِّلاعُ على الصِّفاتِ الخَفِيَّةِ، وأمَّا ما لا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه، فلا يَصِحُّ بَيْعُه


(١٤) فى: م "ليس له الخيار".
(١٥) سقط من: الأصل.
(١٦) فى: الأصل "المعرفة".
(١٧) فى: الأصل "يصير".

<<  <  ج: ص:  >  >>