للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّه باعَ ما لم يَرَهُ (١٠) ولم يُوصَفْ له، فلم يَصِحَّ، كبيعِ النَّوَى فى التَّمْرِ، ولأنَّه نَوْعُ بَيْعٍ فلم يَصِحَّ مع (١١) الجَهْلِ بِصِفَةِ المَبِيعِ، كالسَّلَمِ، والآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالأصْلِ الذى ذَكَرْناهُ. وأمَّا حَدِيثُ عُثْمانَ وطَلْحَةَ، فَيَحْتَمِلُ أنَّهما تَبايَعا بِالصِّفَةِ، على أنَّه قَوْلُ صَحابِىٍّ، وفى كَوْنِه حُجَّةً خِلَافٌ، ولا يُعارَضُ به حَدِيثُ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والنِّكَاحُ لا يُقْصَدُ منه المُعاوَضَةُ، ولا يَفْسُدُ بفَسادِ العِوَضِ، ولا يُتْرَكُ ذِكْرُهُ، ولا يَدْخُلُه شَىْءٌ من الخِياراتِ. وفى اشْتِراطِ الرُّؤْيَةِ مَشَقَّةٌ على المُخَدَّراتِ وإضْرَارٌ بِهِنَّ. على أن الصِّفاتِ التى تُعْلَمُ بِالرُّؤْيَةِ ليستْ هى المَقْصُودَةَ بالنِّكاحِ، فلا يَضُرُّ الجَهْلُ بها بِخلافِ البَيْعِ. فإن قِيلَ: فقد رُوِىَ عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قال: "مَنِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ" (١٢). والخِيارُ لا يَثْبُتُ إلَّا فى عَقْدٍ صَحِيحٍ. قلنا: هذا يَرْوِيهِ عمرُ بنُ إبْراهيمَ الكُرْدِىُّ، وهو مَتْرُوكُ الحديثِ (١٣). ويَحْتَمِلُ أنَّه بِالخِيارِ بين العَقْدِ عليه وتَرْكِهِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنه يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ ما هو مَقْصُودٌ بِالْبَيْعِ، كَداخِلِ الثَّوْبِ، وشَعْرِ الجارِيَةِ، ونَحْوِهما. فلو باعَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا، أو عَيْنًا حَاضِرَةً، لا يُشاهَدُ منها ما يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لأجْلِه، كان كبَيْعِ الغائِبِ. وإن حَكَمْنا بِالصِّحَّةِ، فِللْمُشْتَرِى الخِيارُ عند رُؤْيَةِ المَبِيعِ فى الفَسْخِ والإِمْضاءِ، ويَكُونُ على الفَوْرِ، فإنِ اخْتارَ الفَسْخَ فله ذلك، وإن لم يَفْسَخْ لَزِمَ العَقْدُ؛ لأَنَّ الخِيارَ خِيارُ الرُّؤيَةِ، فوَجَبَ أن يَكُونَ عندَها. وقِيلَ: يَتَقَيَّدُ بِالمَجْلِسِ الذى وُجِدَتِ الرُّؤْيَةُ فيه؛ لأنَّه خِيارٌ ثَبَت بِمُقْتَضَى العَقْدِ من غيرِ شَرْطٍ، فَتقَيَّدَ بِالمَجْلِسِ كخِيارِ المَجْلِسِ. وإنِ اخْتارَ الفَسْخَ قبل الرُّؤْيَةِ انْفَسَخَ؛ لأنَّ العَقْدَ غيرُ لازِمٍ فى حَقِّهِ، فَمَلَكَ الفَسْخَ، كحالَةِ الرُّؤْيَةِ. وإن اخْتَارَ إمْضَاءَ العَقْدِ، لم يَلْزمْ؛


(١٠) فى م: "ير".
(١١) فى الأصل: "مع بيع".
(١٢) أخرجه البيهقى، فى: باب من قال يجوز بيع العين الغائبة، من كتاب البيوع. السنن الكبرى ٥/ ٢٦٨. والدارقطنى، فى: كتاب البيوع. سنن الدارقطنى ٣/ ٤.
(١٣) وانظر: ميزان الاعتدال ٣/ ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>